للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مِنْهُمْ} ويدلّ هذا على صحّة كون سؤال العلماء واجبا، وامتثال فتواهم لازما. قال سهل بن عبد الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السّلطان، والعلماء، فإذا عظّموا هذين؛ أصلح الله دنياهم، وأخراهم، وإذا استخفّوا بهذين؛ فسدت دنياهم، وأخراهم. وانظر الآية رقم [٨٣] ومعنى:

{تَنازَعْتُمْ:} تجادلتم، واختلفتم، فكأنّ كلّ واحد ينتزع حجّة الآخر، ويذهبها، والمنازعة:

مجاذبة الحديث، والحجج. قال الأعشى في معلّقته: [البسيط]

نازعتهم قضب الرّيحان متّكئا... وقهوة مرّة راووقها خضل

{فِي شَيْءٍ} من أمر دينكم، ودنياكم. {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} أي: ردّوا ذلك الحكم إلى كتاب الله، عزّ وجلّ، وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حياته ما دام حيا، وبالنّظر في سنّته بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم.

ومن لم ير هذا اختلّ إيمانه؛ لقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. قال العلماء: في الآية دليل على أنّ من لا يعتقد وجوب طاعة الله عزّ وجل، وطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومتابعة السنة، والحكم بالأحاديث الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يكون مؤمنا بالله، واليوم الآخر، وهو الذي يكون فيه الحشر، والنشر، والحساب والجزاء، ودخول أهل الجنّة الجنّة بالفضل الإلهيّ، ودخول أهل النّار النّار بالعدل الرّبّانيّ.

{ذلِكَ خَيْرٌ:} أي: ردّكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب، والسنّة خير من التنازع. {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً:} أي: مرجعا، وأحمد عاقبة، من: آل، يؤول إلى كذا، أي: صار.

هذا؛ وقال البخاريّ-رحمه الله تعالى-: نزلت الآية الكريمة في عبد الله بن حذافة السّهمي-رضي الله عنه-إذ بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رأس سرية، فلمّا خرجوا؛ وجد عليهم في شيء، فقال لهم: أليس أمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطاعتي؟ قالوا: بلى! قال: فاجمعوا حطبا، ثم دعا بنار فأضرمها، ثمّ قال: عزمت عليكم لتدخلنّها! فقال شابّ منهم: إنّما فررتم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النّار، فلا تعجلوا حتّى تلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن أمركم أن تدخلوها، فادخلوها، ورجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبروه، فقال لهم: «لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنّما الطّاعة في المعروف». وفي رواية: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وضعّف الدّاودي هذه الرّواية.

وقال السّديّ-رحمه الله تعالى-: نزلت في خالد بن الوليد-رضي الله عنه-وذلك: أنّه بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سرية، وفيها عمّار بن ياسر-رضي الله عنهما-، فلمّا قربوا من القوم؛ هربوا منهم، وجاء رجل منهم إلى عمّار قد أسلم، فأمّنه عمّار، فجاء خالد-رضي الله عنه-، فأخذ مال الرّجل، فقال عمّار: إني قد أمنته؛ وقد أسلم، فقال خالد: أتجير عليّ؛ وأنا الأمير؟! فتنازعا، وقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأجاز أمان عمّار، ونهاه أن يجير ثانية. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>