للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سورة (الأنعام): {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ..}. إلخ. وقال-جلّ ذكره-في سورة (الأحزاب):

{فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ}. ومن ثمّ لحّنوا أبا فراس الحمداني بقوله: [الطويل]

أيا جارتا ما أنصف الدّهر بيننا... تعالي أقاسمك الهموم تعالي

وأقول: إنّ الفعلين (هات، وتعال) ملازمان للأمريّة، فلا يأتي منهما مضارع، ولا ماض، وهما بمعنى: (أحضروا أو احضروا) فالأول متعدّ، والثاني لازم، وهو من الثلاثي، وأمّا تعالى، يتعالى، فهما بمعنى تعاظم، يتعاظم، أو بمعنى تنزّه، يتنزّه. وقل في إعلال: {تَعالَوْا،} أصله:

تعالوا، ثم تعاليوا، فحذفت الضمة التي على الياء للثقل، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء، وبقيت الواو؛ لأنّها ضمير، وبقيت الفتحة على اللام؛ لتدلّ على الألف المحذوفة.

أمّا الفعل: {يَصُدُّونَ} فهو بفتح الياء، وضم الصاد، ويقرأ بضم الياء، وكسر الصاد، وهما لغتان: صدّ، وأصدّ، مثل: صدّ، وأصدّ: إذا أنتن، وضمّ، وأضمّ: إذا تغير، وهو من صدّ، يصدّ صدودا: إذا تنكب، وليس فصيحا؛ لأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التعدية بالهمزة، ويأتي الفعل بمعنى: يعرضون، ويميلون، كما في هذه الآية الكريمة. كما يأتي بمعنى: يضجون فرحا، لكنه بكسر الصاد، كما في قوله تعالى في سورة (الزخرف): {*وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ،} ومصدر الأولين صدّ، وصدود، ومصدر الأخير: صديد. والصّدد:

القرب، يقال: داري صدد داره، أي: قربها، وقبالتها، والصّدد: القصد، تقول: رجعنا إلى ما نحن بصدده، أي: بقصده، وهو أيضا الميل، والناحية.

هذا؛ والنفاق: إظهار الإيمان، وإخفاء الكفر، وسمّي المنافق منافقا أخذا من نافقاء اليربوع، وهو جحره الّذي يقيم فيه، فإنّه يجعل له بابين، يدخل من أحدهما، ويخرج من الآخر، فكذلك المنافق يدخل مع المؤمنين بقوله: أنا مؤمن، ويدخل مع الكافرين بقوله: أنا كافر. وكان المنافقون في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثمائة من الرّجال، ومائة من النساء. هذا وقال تعالى في سورة (التوبة): {الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ..}. إلخ.

هذا؛ وقد يتصف مؤمن بصفات المنافقين، فيكذب في القول، ويخلف في الوعد، ويخون في الأمانة، ويفجر في الخصومة، فهذا يقال له: نفاق العمل، وأمّا الأوّل؛ فيقال له: نفاق العقيدة، وهو أخبث من الكفر، وعقابه أشدّ منه، قال تعالى في الآية رقم [١٤٥] الآتية: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} وقد حذّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من نفاق العمل، والاتصاف به، فإنّه يجر إلى نفاق العقيدة. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». رواه البخاريّ، ومسلم، وزاد مسلم في رواية له:

«وإن صلّى، وصام، وزعم: أنّه مسلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>