{وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً} نهاهم الله عن أن يكونوا أول من كفر، وألا يأخذوا على آيات الله ثمنا؛ أي على تغيير صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم الموجودة في التوراة شيء، وكان الأحبار يفعلون ذلك، فنهوا عنه. وقيل: المعنى: ولا تشتروا بتغيير أوامري، ونواهي، وآياتي ثمنا قليلا، والمراد:
الدنيا، والعيش الّذي هو منها، فإنه نزر لا خطر له، ولا شأن بجانب الجنة، ونعيمها الدائم؛ الذي أعدّه الله للعاملين بما يعلمون.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وهذه الآية وإن كانت نزلت ببني إسرائيل، فهي تتناول من فعل فعلهم، فمن أخذ رشوة على تغيير حقّ، أو إبطاله، أو امتنع من تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه-وقد تعيّن عليه-حتى يأخذ عليه أجرا؛ فقد دخل في مقتضى هذه الآية. وقد روى أبو داود-رحمه الله-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعلم علما ممّا يبتغى به وجه الله، لا يتعلّمه إلا ليصيب به عرضا من الدّنيا؛ لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة». عرف الجنّة: ريحها. وهو بفتح العين.
هذا واختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والعلم لهذه الآية، وما كان في معناها، فمنع ذلك الزّهري، وأصحاب الرأي، وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم؛ لأنّ تعليمه واجب من الواجبات؛ التي يحتاج فيها إلى نية التقرّب، والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة، كالصّلاة، والصيام، وقد قال تعالى:{وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً}. وروى أبو هريرة-رضي الله عنه-قال: قلت: يا رسول الله! ما تقول في المعلمين؟ قال:«درهمهم حرام، وثوبهم سحت، وكلامهم رياء». وروى عبادة بن الصّامت-رضي الله عنه-قال: علّمت ناسا من أهل الصّفّة القرآن، والكتابة، فأهدى إليّ رجل منهم قوسا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله! فسألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:«إن سرّك أن تطوّق بها طوقا من نار؛ فاقبلها».
وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن: مالك، والشّافعيّ، وأحمد، وأبو ثور، وأكثر العلماء؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-في حديث الرّقية:«إنّ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله». أخرجه البخاريّ، وهو نصّ يرفع الخلاف، فينبغي أن يعوّل عليه. قال ابن المنذر: وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة، ويجوّز أن يستأجر الرّجل يكتب له لوحا، أو شعرا، أو غناء معلوما بأجر معلوم، فيجوّز الإجارة فيما هو معصية، ويبطلها فيما هو طاعة. ولا بد من القول: إنّ المعلم إذا لم يكن له دخل يكفيه لمعيشته، ومعيشة من يعول: فكيف يستطيع التّعليم، بل والتفرّغ للقيام بالشّعائر الدّينيّة، وهو بحاجة إلى لقمة العيش؟!
وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «خير الناس، وخير من يمشي على جديد الأرض المعلّمون، كلّما خلق الدّين جدّدوه. أعطوهم، ولا تستأجروهم، فتحرجوهم، فإنّ المعلّم إذا قال للصبي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصّبيّ: بسم الله الرحمن الرحيم، كتب الله براءة للصّبيّ، وبراءة للمعلم، وبراءة لأبويه من النّار».