للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ:} فرض عليهم جهاد المشركين، وقتالهم، وأمروا بالخروج إلى بدر {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ:} جماعة منهم، أي: من الّذين سألوا أن يفرض عليهم الجهاد، واستأذنوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم في القتال. {يَخْشَوْنَ النّاسَ} أي: يخافون مشركي مكة، كما قال تعالى في سورة (الأنفال): {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ..}. إلخ. {كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً:} {أَوْ} بمعنى الواو؛ يعني: وأشد خشية. انظر ما ذكرته في سورة (البقرة) رقم [٧٤] بشأن «أو» تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. قال السدي رحمه الله تعالى: هم قوم أسلموا قبل فرض القتال، فلمّا فرض القتال؛ كرهوه. وقيل: هو وصف للمنافقين، والمعنى: يخشون القتال مع المشركين، كما يخشون الموت من الله.

{وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ..}. إلخ؛ أي: هلا تركتنا، ولم تفرض علينا القتال حتى نموت بآجالنا. والقائلون لهذا القول هم المنافقون؛ لأنّ هذا القول، لا يليق بالمؤمنين. وقيل:

قاله بعض المؤمنين، وإنّما قالوا ذلك خوفا، وجبنا، لا اعتقادا، ثمّ إنهم تابوا من هذا القول.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم يعلم: أنّ الآجال محدودة، والأرزاق مقسومة، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين، سامعين، طائعين، يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيرا من المقام في الدار العاجلة على ما هو معروف من سيرتهم، -رضي الله عنهم-. اللهم إلا أن يكون قائله ممّن لم يرسخ الإيمان في قلبه، ولا انشرح بالإسلام جنانه، فإنّ أهل الإيمان متفاضلون، فمنهم الكامل، ومنهم الناقص، وهو الذي تنفر نفسه عمّا يؤمر به فيما تلحقه فيه المشقّة، وتدركه فيه الشدّة. والله أعلم. انتهى.

{قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ} أي: قل يا محمد لهؤلاء: منفعة الدنيا، والاستمتاع بلذّاتها قليل، وسمّاه الله قليلا؛ لأنّه لا بقاء له، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي ومثل الدّنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة، ثمّ راح، وتركها». ومثله يروى عن ابن مسعود-رضي الله عنه-وغيره كثير. وعن المستورد بن شدّاد-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله ما الدّنيا في الآخرة إلاّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليمّ، فلينظر بم يرجع؟». أخرجه مسلم. {وَالْآخِرَةُ} يعني: وثواب الآخرة. {خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى:} يعني: اتقى الشرك، وابتعد عن معصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

{وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً:} ولا تنقصون من أجوركم قدر فتيل، انظر الآية رقم [٤٩].

هذا؛ وقال ابن أبي حاتم عن هشام؛ قال: قرأ الحسن: {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ} فقال: رحم الله عبدا صحبها على حسب ذلك، وما الدنيا كلّها أوّلها، وآخرها إلا كرجل نام نومة، فرأى في منامه ما يحبّ، ثمّ انتبه. وقال ابن معين: كان أبو مصهر ينشد: [الطويل]

ولا خير في الدّنيا لمن لم يكن له... من الله في دار المقام نصيب

فإن تعجب الدّنيا رجالا فإنّها... متاع قليل والزّوال قريب

<<  <  ج: ص:  >  >>