أي: مطيعون لك. {فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ:} خرجوا من عندك. {بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} أي: زورت خلاف ما قلت لها، وما قالت لك من القبول، وضمان الطّاعة. والتبييت:
إمّا من البيتوتة؛ لأنّ الأمور تدبّر بالليل، أو من بيت الشّعر، أو البيت المبني؛ لأنّه يسوّى.
ويدبّر. انتهى. بيضاوي.
وعبارة الخازن: التبييت: كلّ أمر يفعل بالليل، يقال: هذا أمر مبيّت: إذا دبر بليل، وقضي بليل، قال تعالى في الآية رقم [١٠٨] الآتية: {إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ}. والمعنى: أنّهم قالوا، وقدروا أمرا باللّيل غير الذي أعطوك بالنّهار من الطّاعة. و {بَيَّتَ:} بدّل، وغيّر. قال الأسود بن عامر الطّائي: [المتقارب]
وبيّت قولي عبد الملي... ك قاتله الله عبدا كفورا
وإنّما خصّ الله طائفة من المنافقين بالتبييت في قوله: {مِنْهُمْ،} وكلمة (من) للتبعيض؛ لأنّه تعالى علم: أنّ منهم من يبقى على كفره، ونفاقه، ومنهم من يرجع عنه، ويتوب، فخصّ من يصرّ على النفاق بالذّكر. هذا؛ و {طائِفَةٌ:} جماعة من النّاس، لا واحد لها من لفظها، مثل: فريق، ورهط، ونفر، وجمعها: طوائف.
{وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ} أي: يسجّل في صحائفهم أعمالهم؛ ليجازيهم عليها، والمسجّل هم الملائكة الموكلون بهم يسجّلون أقوالهم، وأعمالهم، ونفاقهم، ومكرهم، وكيدهم. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: لا تعاقبهم يا محمد، ولا تحدّث نفسك بالانتقام منهم، وخلّهم في ضلالتهم، فأنا منتقم منهم. وهذا قبل نزول قوله تعالى في سورتي (التوبة) و (التّحريم): {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ..}. إلخ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ:} فوض أمورك إلى الله كلّها سيما في شأن المنافقين. فإنّه يكفيك شرّهم، ويدفع عنك ضرّهم، وينتقم لك منهم إذا قوي أمر الإسلام، وقد صدق الله وعده؛ حيث فضحهم، وأظهر خبثهم. اقرأ سورة (التوبة)؛ فإنّك تجد فيها العجب العجاب. {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} أي: ناصرا، ومعينا لك عليهم.
هذا؛ و «التوكل» تفويض الإنسان الأمر إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه، وضرّه.
وقالوا: التوكل: من إذا دهمه أمر؛ لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله تعالى. فعلى هذا: إذا وقع الإنسان في محنة، ثمّ سأل غيره خلاصه منها؛ لم يخرج عن حدّ التوكّل؛ لأنّه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله تعالى، وإنّما هو من تعاطي الأسباب في دفع المحنة. وخذ ما يلي:
فعن عمر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لو أنّكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله؛ لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا، وتروح بطانا». أخرجه الترمذيّ. هذا؛ والفرق بين