للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علما كان، أو عملا، فهو يتضمّن معنى الغلبة، يقال: ثقف، يثقف ثقفا. ويقال: رجل ثقف لقف أي: خفيف حاذق، إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور، فالفعل من باب ظرف، يظرف، ويأتي من باب طرب. قال الشّاعر: [الوافر]

فإمّا تثقفوني فاقتلوني... فمن أثقف فليس إلى خلود

{وَأُولئِكُمْ:} الإشارة إلى المنافقين المخادعين. {جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً:} حجة واضحة لظهور عداوتهم، وانكشاف حالهم في الكفر، والغدر، وإضرارهم بالمسلمين، أو تسلطا ظاهرا؛ حيث أذنّا لكم في قتلهم. هذا؛ و (سلطان): تسلّط، وولاية، ويأتي بمعنى الحجّة، والبرهان كما هنا، وكما في قوله تعالى: {وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ}. ويأتي بمعنى الكتاب، قال تعالى في سورة (الرّوم) رقم [٣٥]: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}. وقال بعض المحقّقين: سمّيت الحجّة سلطانا؛ لأنّ صاحب الحجّة يقهر من لا حجّة له، كالسّلطان يقهر غيره بقوّته. وقال الزجّاج: السّلطان: هو الحجّة، وسمّي السلطان سلطانا؛ لأنّه حجّة الله في أرضه. ولا تنس ما قاله عثمان-رضي الله عنه-: «إنّ الله ليزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن». أي: يكفّ عن المعاصي، ويروّع. وجمعه بمعنى الحاكم:

سلاطين، ولا يجمع إذا كان بمعنى الحجّة، والبرهان. هذا؛ وزعم الفرّاء: أنّ العرب تؤنّث السّلطان، فتقول: قضت به عليك السّلطان، أمّا البصريّون؛ فالتذكير عندهم أفصح، وبه جاء القرآن الكريم، والتأنيث عندهم جائز؛ لأنّه بمعنى الحجّة. هذا؛ والسّلطان: ما يدفع به الإنسان عن نفسه أمرا يستوجب به عقوبة، كما قال تعالى حكاية عن قول سليمان-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في حقّ الهدهد: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} رقم [٢١] من سورة (النّمل).

هذا؛ و ({مُبِينٍ}) اسم فاعل من: أبان الرّباعي، أصله: مبين، بسكون الباء، وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء بعد سلب سكونها؛ لأنّ الحرف الصّحيح أولى بالحركة من حرف العلّة، ولا تنس: أنّ اسم الفاعل من: بان الثلاثي، بائن، أصله: باين، فقلبت الياء ألفا؛ لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ولم يعتدّ بالألف الزائدة؛ لأنّها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة، فصار: بائن، وقل مثله في إعلال: قائل، وقائم.

هذا؛ وقال مكيّ بن أبي طالب القيسيّ-رحمه الله تعالى-في التركيب: {فَإِنْ لَمْ:} دخلت (إن) على: {لَمْ} ليرتدّ الفعل إلى أصله في لفظه، وهو الاستقبال؛ لأنّ ({لَمْ}) تردّ لفظ المستقبل إلى معنى المضي، و ({أَنْ}) تردّ الماضي إلى معنى الاستقبال، فلمّا صارت {لَمْ} ولفظ المستقبل بعدها بمعنى الماضي؛ ردّتها ({أَنْ}) إلى الاستقبال؛ لأنّ ({أَنْ}) تردّ الماضي إلى معنى الاستقبال في غير هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>