للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحك يا عياش! أيّ شيء فعلت؟ إنّه قد أسلم، فرجع عياش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال:

يا رسول الله! إنّه كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، وإنّي لم أشعر بإسلامه؛ حتّى قتلته، فنزل قوله تعالى: {وَما كانَ..}. إلخ. وفي مختصر ابن كثير: أنّ عياشا-رضي الله عنه- قتل الحارث يوم فتح مكّة.

{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ:} ما صحّ له، ولا استقام، وما ينبغي. والتعبير بهذين اللفظين ونحوهما معناه: الحظر، والمنع، فيجيء لحظر الشيء، والحكم بأنّه لا يجوز، كما في هذه الآية، ومثلها كثير، وربما كان امتناع ذلك الشّيء عقلا، كقوله تعالى في سورة (النّمل): {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها}. وربما كان العلم بامتناعه شرعا، كما في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٧٩]، وقوله تعالى في سورة (الشّورى) رقم [٥١]: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً..}. إلخ. وربما كان في المندوبات، كما تقول على سبيل التوبيخ: ما كان لك يا فلان أن تترك صلاة الصبح، والعشاء في الجماعة، ونحو ذلك. {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً} أي: عمدا بدون موجب لقتله. {إِلاّ خَطَأً} أي: في حال خطئه.

هذا؛ وقيل: الخطأ على أنواع: منها: أن يقصد الإنسان شيئا، كعصفور مثلا، فيصيب إنسانا، لا يقصد قتله. ومنها: أن يرمي كافرا، فيصيب مسلما. ومنها: أن يرمي شخصا يظنّه كافرا، فإذا هو مسلم، كالذي فعله عياش-رضي الله عنه-. ومنها: أن يقتل صبيّ كبيرا. وألحق بعضهم بها شبه العمد، وهو أن يضربه بما لا يقتل غالبا. ومنها: نوم الأم على ولدها حتّى يموت، وهي لا تعلم بذلك، وحوادث السّيارات في هذه الأيام تعدّ من القتل خطأ (١).

{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} أي: في أيّ نوع من الأنواع المذكورة: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ..}. إلخ: أي: يجب على الذي يقتل مؤمنا خطأ أن يعتق عبدا مؤمنا كفارة لما فعل، وذلك بعد دفع الدّية لأولياء القتيل. هذا؛ والتّحرير: الإعتاق، وعبّر بالرّقبة عن الإنسان من إطلاق الجزء على الكلّ، وانظر شرح (أهل) في الآية رقم [٥٨].

{إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} أي: يعفو ورثة القتيل عن الدّية، أو عن بعضها، وانظر الآية رقم [١٧٨] من (سورة (البقرة)). هذا؛ والدّية على العاقلة (٢)، أي: على أقرباء القاتل، وأمّا الكفارة فهي على القاتل نفسه. هذا؛ وتقسم دية القتيل على ورثته، كما تقسم أمواله، فقد ورّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم


١) أقول: إن لم يكن السّائق قد خالف أنظمة المرور المعدّة للسلامة العامة، ويكون القتل في مثل هذا الحال شبه عمد لا خطأ.
٢) الدّية في قتل الخطأ على العاقلة، أمّا في قتل شبه العمد فعلى القاتل نفسه مغلظة، وذلك عند بعض الفقهاء، وهو المرجّح. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>