للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرامته، وشرفه، ومروءته في سبيله، وكثير من النّاس يسبب لهم المال العذاب الأليم في نار الجحيم، وذلك حينما لم يراقبوا الله تعالى في جمعه، وإنفاقه.

{فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً} يعني: فضيلة، وكرامة في الآخرة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أراد بالقاعدين هنا: أولي الضرر، وفضّل الله المجاهدين عليهم درجة؛ لأنّ المجاهد باشر الجهاد بنفسه، وما أدراكم ما الدّرجة؟ هي كما بين السّماء، والأرض. وانظر الحديث في الآية رقم [٨٤]، وخذ ما يلي: روى أبو هريرة-رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدّرجتين، كما بين السّماء والأرض». أخرجه البخاريّ.

{وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى} أي: كلاّ من المجاهدين، والقاعدين وعده الله الجنة بإيمانه بربّه، وتصديقه بنبيّه صلّى الله عليه وسلّم. {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً:} المراد ب‍: {الْقاعِدِينَ:} الذين لا عذر لهم، ونكر {أَجْراً} لزيادة التعظيم، والتفخيم بمعنى: لا يعلمه إلا الله، ولا تنس الطّباق بين {الْمُجاهِدِينَ} و {الْقاعِدِينَ} وهو من المحسّنات البديعية.

هذا؛ و «المال» قال فيه ابن الأثير: المال في الأصل: كل ما يملك من الذهب، والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى، ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل؛ لأنّها كانت أكثر أموالهم، وقال الجوهري: ذكر بعضهم: أنّ المال يؤنّث، وأنشد لحسان-رضي الله عنه-: [البسيط]

المال تزري بأقوام ذوي حسب... وقد تسوّد غير السّيّد المال

وعن الفضل الضّبّي: المال عند العرب الصّامت، والنّاطق، فالصّامت: الذهب، والفضّة، والجواهر، والناطق: البعير، والبقرة، والشاة، فإذا قلت عن بدويّ: كثر ماله؛ فهو الناطق. وإذا قلت عن حضريّ: كثر ماله؛ فهو الصامت. هذا؛ والنّشب يطلق على المال الثابت، كالضّياع، والدور، قال عمرو بن معدي كرب الزّبيدي-رضي الله عنه-في ذلك، وهو الشّاهد رقم [٥٩٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد رقم [٤٨٥] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [البسيط]

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب

هذا؛ وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من تواضع لغنيّ لغناه؛ فقد ذهب ثلثا دينه». وإنّما كان كذلك؛ لأنّ الإيمان متعلّق بثلاثة أشياء: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، فإذا تواضع بلسانه، وأعضائه، فقد ذهب الثّلثان، فإذا انضمّ إليها القلب فقد ذهب الكلّ.

و «غير» اسم شديد في الإبهام ك‍ «مثل» لا يتعرّف بالإضافة لمعرفة، وغيرها، وهو ملازم للإضافة، ويجوز أن يقطع عنها، إن فهم المعنى، أو تقدّمت عليها كلمة «ليس». يقال: قبضت

<<  <  ج: ص:  >  >>