للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هجرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى يهاجر إليه، ثمّ نسخ ذلك بعد فتح مكة بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة». أخرجاه في الصّحيحين.

{قالُوا:} أي: قالت الملائكة؛ الذين يتوفون أولئك المذكورين: {فِيمَ كُنْتُمْ} خطاب للمذكورين، وهو سؤال توبيخ، وتقريع. أي: أكنتم في أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أم كنتم مع المشركين؟ و {فِيمَ} كلمة مؤلفة من حرف، واسم، فالحرف «في» الجارة، والاسم: «ما» الاستفهامية، وقد حذفت ألفها، كما تحذف مع كلّ جارّ، نحو قوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ،} {*عَمَّ يَتَساءَلُونَ،} {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} وذلك للفرق بين الموصولة، والاستفهامية. ويقال: للفرق بين الخبر، والاستخبار، ومن شواهدها الشّعرية قول الكميت، وهو الشاهد رقم [٥٥٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

فتلك ولاة السّوء قد طال مكثهم... فحتّام حتّام العناء المطوّل؟

وأيضا قول عمرو بن معديكرب-رضي الله عنه، وهو الشّاهد رقم [٢٥٠] من كتابنا المذكور-: [الطويل]

علام تقول الرّمح يثقل عاتقي... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت؟

وقد ثبتت ألفها مع دخول الجار عليها في ضرورة الشّعر في قول حسّان بن ثابت-رضي الله عنه-يهجو رجلا من بني مخزوم، وهو الشاهد رقم [٥٥٦] من الكتاب المذكور: [الوافر]

على ما قام يشتمني لئيم... كخنزير تمرّغ في دمان

{قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} أي: في مكّة. اعتذروا عن الهجرة، وموالاة الكفّار بعجزهم، وضعفهم. وهذا اعتذار غير صحيح؛ إذ كانوا يستطيعون الحيل، ويهتدون السبيل. {قالُوا} أي:

الملائكة موبخين، ومؤنّبين لهم. {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} أي: فتخرجوا من مكة إلى بلد تكونون فيه أحرارا في عقيدتكم، وعبادتكم، كما فعل المؤمنون الصادقون؛ حيث هاجروا أولا إلى الحبشة، ثمّ إلى المدينة المنورة. ويفيد هذا السؤال، والجواب: أنّهم ماتوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة، وإلا فلو ماتوا كافرين؛ لم يقل لهم شيء من هذا.

{فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ:} أخبر الله تعالى: أنّهم في جهنّم لتقصيرهم، وتقاعسهم عن الهجرة.

{وَساءَتْ:} فعل ذمّ يجري مجرى: «بئس». {مَصِيراً:} مقرّا، ومآلا، وكانت الهجرة واجبة على كلّ من أسلم، وانظر الآية رقم [٨٩].

تنبيه: في الآية الكريمة دليل على أنّ الإنسان إذا كان في بلد، لا يتمكّن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب، والعوائق، أو علم: أنّه في غير بلده أقوم بحقّ الله، وأدوم على العبادة؛ حقّت عليه المهاجرة. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا

<<  <  ج: ص:  >  >>