للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّها صلاة الخوف، وإن الله عزّ وجل يقول: {وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ..}. إلخ فعلّمه صلاة الخوف. وروي عن أبي عيّاش الزّرقي-رضي الله عنه-في سبب نزول الآية، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلّينا الظهر، فقال المشركون:

لقد أصبنا غرّة، ولو حملنا عليهم، وهم في الصّلاة، فنزلت الآية بين الظّهر، والعصر.

وينبغي أن تعلم: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى صلاة الخوف بكيفيات مختلفة، ولا يمكن فعل شيء منها في هذه الأيام إلا صلاة الخوف المذكورة في الآية رقم [٢٣٩] من سورة (البقرة)؛ لأنّ وسائل الحرب قد تغيّرت، وأحوال المسلمين، وأوضاعهم قد انقلبت رأسا على عقب، لذا فإنّني أكتفي بشرح ألفاظ الآية وبيان معانيها، والله الموفق.

{وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ..}. إلخ: خطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد تعلّق بمفهومه من خصّ صلاة الخوف بحضرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكافة الفقهاء على أنّ الله علّمه كيفيتها؛ ليأتمّ به الأئمّة بعده، فإنّهم نواب عنه بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم فيكون حضورهم كحضوره. {فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} أي: فاجعلهم طائفتين: إحداهما تصلّي معك، والأخرى تقف تجاه العدو. {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ:} هذا الأمر للطائفة المصلية مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: للحارسة. وذكر الطائفة الأولى يدلّ عليهم. {فَإِذا سَجَدُوا} أي: المصلون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم. {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ} أي: ليكن غير المصلين من خلفكم يحرسونكم.

{وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا} أي: أول الصلاة. {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ:} آخر الصلاة.

{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} أي: وليكونوا حذرين من عدوّهم متأهبين لقتالهم بحمل السلاح.

ظاهر هذا الكلام يدلّ على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى مرّتين؛ بكلّ طائفة مرّة، وهذا كان ببطن نخل، وإن أريد أن يصلي الإمام بكلّ ركعة-إن كانت الصلاة ركعتين-فكيفيتها أن يصلي بالأولى ركعة، وينتظر قائما حتّى يتمّوا صلاتهم منفردين، ويذهبوا إلى وجه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى، فيتمّ بهم الركعة الثانية، ثم ينتظرهم قاعدا حتى يتمّوا صلاتهم، ويسلّم بهم، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذات الرّقاع، وقد جعل الله-عزّ وجل-الحذر آلة يتحصّن بها المحارب، فجمع بين الحذر، وبين الأسلحة في وجوب الأخذ بالأسباب، كيف لا؟ والتيقظ، والتحرّز من كيد العدو أعظم من السّلاح.

{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ..}. إلخ: تمنّى الكافرون أن ينالوا منكم غفلة في صلاتكم، فيشدّون عليكم شدّة واحدة، وهذا هو السبب في وجوب حمل السلاح، والتيقظ. وانظر الفعل:

«مال، يميل» في الآية رقم [٢٧].

{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ..}. إلخ، أي: لا حرج، ولا إثم في عدم حمل السّلاح إذا ثقل عليكم بسبب مطر، أو ضعف بسبب مرض، وهذا يؤيد: أنّ حمل السلاح في أثناء الصّلاة للوجوب دون الاستحباب. {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ:} تأكيد لسابقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>