كل ما يستحسنه الشّرع، والعقول السليمة تضافرت على استحسانه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق». وقال صلّى الله عليه وسلّم: «المعروف كاسمه، أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة المعروف، وأهله». وقال عليّ-رضي الله عنه-: لا يزهدنّك في المعروف كفر من كفره، فقد يشكر الشّاكر بأضعاف جحود الكافر. وقال الحطيئة: [البسيط]
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه... لا يذهب العرف بين الله والنّاس
وأنشد الرّياشي: [الوافر]
يد المعروف غنم حيث كانت... تحمّلها كفور أو شكور
ففي شكر الشّكور لها جزاء... وعند الله ما كفر الكفور
وقال الماورديّ-رحمه الله تعالى-: فينبغي لمن قدر على إسداء المعروف أن يعجّله حذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه، وليعلم: أنّه من فرص زمانه، وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بقدرة فاتت، فأعقبت ندما، ومعوّل على مكنة زالت، فأورثت خجلا، كما قال الشاعر: [البسيط]
ما زلت أسمع كم من واثق خجل... حتّى ابتليت فكنت الواثق الخجلا
ولو فطن لنوائب دهره، وتحفّظ من عواقب مكره؛ لكانت مغانمه مذخورة، ومغارمه مجبورة، فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «من فتح عليه باب من الخير؛ فلينتهزه، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه». وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لكلّ شيء ثمرة، وثمرة المعروف السّراح» أي: التعجيل، ورحم الله من قال: [الوافر]
إذا هبّت رياحك فاغتنمها... فإنّ لكلّ خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها... فما تدري السّكون متى يكون؟
وقال العباس-رضي الله عنه-: لا يتمّ المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله، وتصغيره، وستره.
فإذا عجلته؛ هنأته، وإذا صغرته؛ عظمته، وإذا سترته؛ أتممته. وقال بعض الشعراء: [الرمل]
زاد معروفك عندي عظما... أنّه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته... وهو عند النّاس مشهور خطير
ومن شرط المعروف: ترك الامتنان به، وترك الإعجاب بفعله؛ لما فيهما من إسقاط الشكر، وإحباط الأجر.
{أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ:} عام في الدّماء، والأموال، والأعراض، وفي كلّ شيء يقع به التداعي، والاختلاف فيه بين المسلمين، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي أيوب-رضي الله عنه-: «ألا