للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميراث، وغير ذلك، فأمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: {اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} أي: يبيّن لكم حكم ما سألتم عنه. وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السّورة من أمر النساء، وكانوا قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها، فسألوا، فقيل لهم: {اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت في بنات أم كجّة، وقد تقدّمت قصّتهنّ في الآية رقم [٧] من هذه السّورة. وقالت عائشة-رضي الله عنها-: هي اليتيمة تكون في حجر الرّجل، وهو وليّها، فيرغب في نكاحها، إذا كانت ذات جمال، ومال بأقلّ من سنّة صداقها، وإذا كانت غير مرغوب فيها لقلّة الجمال، والمال؛ تركها. وانظر الآية رقم [٣] من هذه السورة. هذا؛ والاستفتاء: طلب الفتوى، وهو إظهار ما أشكل من الأحكام الشّرعية، وكشفه، وتبيينه.

قال المفسّرون: والذي استفتوه فيه هو ميراث النّساء، وذلك: أنّهم كانوا لا يورّثون النّساء، ولا الصّغار من الأولاد، فلمّا نزلت آيتا الميراث رقم [١١ و ١٢] قالوا: يا رسول الله! كيف نورّث المرأة، والصغيرة؟ فأجابهم بهذه الآية: {قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}. {وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ} المعنى: الله يفتيكم في النّساء بما أنزل في كتابه عليكم. {فِي يَتامَى النِّساءِ:} قيل:

معناه: في النّساء اليتامى. وقيل: في اليتامى أولاد النساء؛ لأنّ الآية نزلت في يتامى أمّ كجّة.

{اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ} يعني: ما فرض لهنّ من الميراث، وهذا على قول من يقول: إنّ الآية نزلت في ميراث اليتامى الصغار. وعلى القول الآخر: معناه: ما كتب لهنّ من الصّداق.

{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} التقدير: في أن، أو: عن أن تنكحوهن، فإنّ أولياء اليتامى كانوا يرغبون في نكاحهن إذا كنّ جميلات، ويأكلون مالهنّ، وإلا فيرغبون عن نكاحهنّ إن كنّ غير جميلات، ويعضلوهنّ عن الزّواج بغيرهم، انظر الآية رقم [٣] من هذه السّورة.

{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ:} فهو معطوف على ما قبله، أي: داخل في المبهم المطلوب بيانه في الفتوى؛ لأنّ العرب لم يكونوا يورّثون من لم يقاتل من النّساء، والولدان. {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ} انظر الآيتين رقم [٢ و ٣] فالبحث فيهما كاف ضاف. {وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ..}.

إلخ: هذا وعد من الكريم لمن آثر الخير في ذلك، وفعله، وقد حذف مقابله اكتفاء به، فإنّ التقدير: وما تفعلوا من شرّ... إلخ.

تنبيه: روي: أنّ عيينة بن حصن أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أخبرنا أنّك تعطي الابنة النصف، والأخت النصف، وإنّا كنّا لا نورّث إلا من يشهد القتال، ويحوز الغنيمة! فقال صلّى الله عليه وسلّم: بذلك أمرت. ونزلت الآية الكريمة.

تنبيه: رأيت: أنّ الفعل «يرغب» تغيّر معناه بتغيّر الجار الذي تعلّق به، وهذا أحد الأفعال التي يتغيّر معناها بتغيّر الجار، كما رأيت في الآية رقم [٢٧] والآية رقم [١٣٥] الآتية، لذا كان قول القائل -وهو الشّاهد رقم [٩٢٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -محتملا للمدح والذّمّ: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>