لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. يروى: أنّ عمر-رضي الله عنه-قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى:
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التخوّف: التنقّص. قال:
فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذليّ: [البسيط]
تخوّف الرّحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السّفن
فقال عمر-رضي الله عنه-: أيّها النّاس عليكم بديوانكم لا تضلّوا. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإنّ فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. هذا؛ وأصل الخوف: انزعاج في الباطن، يحصل من توقع مكروه يقع في المستقبل. وأصل «خاف»: «خوف» فقل في إعلاله:
تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا.
{مِنْ بَعْلِها} أي: زوجها سمّي الزوج بعلا؛ لعلوّه على الزوجة بما قد ملكه من زوجيتها، ومنه قوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٢٥]: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً،} والبعل: المستعلي على غيره، ولمّا كان الزوج مستعليا على المرأة، قائما بأمرها؛ سمّي بعلا، ويقال للمرأة أيضا: بعل، وبعلة، كما يقال لها: زوج، وزوجة، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في: الحزونة، والسهولة.
{نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً:} الفرق بينهما: أنّ النّشوز: التباعد. والإعراض: أن لا يكلمها، ولا يأنس بها. فالأول هو التّجافي عنها، والترفّع عن محبّتها، كراهة لها، ومنعا لحقوقها، أو إيذاء لها بسبّ، أو ضرب. وانظر نشوز المرأة في الآية رقم [٣٤]. هذا؛ و (النّشوز) في الأصل الترفع، وهو مأخوذ من النّشز، وهو المرتفع من الأرض. و (الإعراض) بأن يقلّ مجالستها، ومحادثتها، ومؤانستها بسبب كبر، أو دمامة، أو سوء خلق، أو خلق، أو ملال، أو طموح عين إلى أخرى، أو غير ذلك.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِما:} فلا مؤاخذة، ولا إثم عليهما. {أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما:} وفي قراءة:
(«يصّالحا») بتشديد الصّاد، وأصله: يتصالحا، فقلبت التاء صادا، ثم أدغمت الصّاد في الصّاد.
وقرئ: («يصطلحا») بإبدال التاء طاء، والمصالحة بينهما تكون بحطّ بعض المهر، أو القسم، أو بإسقاط بعض النّفقة. {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} أي: من الفرقة، أو سوء العشرة، والخصومة. ويجوز ألا يراد به التفضيل، بل بيان: أنّه من الخير، كما أنّ الخصومة من الشرور.
{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} أي: جعلت الأنفس حاضرة للشّح، مطبوعة عليه، فلا تسمح المرأة بالإعراض عنها، والتقصير في حقّها، والرّجل لا يسمح بأن يوفّيها حقّها كاملا، ويمسكها عنده، وكلّ واحد منهما يتشدّد فيما يطلب، ويريد. وانظر نشوز المرأة في الآية رقم [٣٤].
{وَإِنْ تُحْسِنُوا:} إلى المرأة بالصّحبة الصّالحة، والعشرة الطّيّبة مراعاة لحقّ الصحبة الماضية. {وَتَتَّقُوا:} الله، وتخافوه، أي: أن تجعلوا بينكم وبين النّشوز، والإعراض عن