للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد ب‍: {الْأَنْعامِ} الأزواج الثمانية المذكورة في سورة (الأنعام) وهي: الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، ويلحق بها الظباء، وبقر الوحش، وما يماثلها في الاجترار، وعدم الأنياب دون ذوات الحافر.

{إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ:} إلا ما يقرأ عليكم تحريمه، أي: في الآية التالية، ونحوها، وفي السنة أيضا قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ذي ناب من السّباع، فأكله حرام».

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وهذه الآية ممّا تلوح فصاحتها، وكثرة معانيها على قلّة ألفاظها لكلّ ذي بصيرة بالكلام، فإنّها تضمّنت خمسة أحكام: الأول: الأمر بالوفاء بالعقود.

الثاني: تحليل بهيمة الأنعام. الثالث: استثناء ما يلي بعد ذلك. الرّابع: استثناء حال الإحرام فيما يصاد. الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصّيد لمن ليس بمحرم. وحكى النقاش: أنّ أصحاب الكندي قالوا له: أيّها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن. فقال: نعم أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياما كثيرة ثمّ خرج، فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إنّي فتحت المصحف، فخرجت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلّل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثمّ أخبر عن قدرته، وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد. انتهى.

تنبيه: فسر ابن عباس-رضي الله عنهما-بهيمة الأنعام بالجنين، والأجنّة التي توجد ميتة في بطون أمهاتها؛ إذا ذبحت، أو نحرت، ذهب أكثر العلماء في تحليلها، وهو مذهب الشّافعي، ويدلّ عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال في الجنين: «ذكاته ذكاة أمّه». أخرجه الترمذيّ، وابن ماجة. وفي رواية أبي داود؛ قال: قلنا: يا رسول الله! ننحر الناقة، ونذبح البقرة، والشاة، ونجد في بطنها الجنين، أنلقيه، أم نأكله؟ قال: «كلوه إن شئتم، فإنّ ذكاته ذكاة أمّه». وشرط بعضهم الإشعار، وتمام الخلق، قال ابن عمر-رضي الله عنهما-: ذكاة ما في بطنها ذكاتها؛ إذا تمّ خلقه، ونبت شعره. ومثله عن سعيد بن المسيّب-رحمه الله تعالى-وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يحل أكل الجنين؛ إذا خرج بعد ذكاة الأم ميتا.

وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} المعنى: أحل لكم ما تقدّم ذكره ما عدا صيد الوحوش في حال إحرامكم بحجّ، أو عمرة، أو في حال وجودكم بأرض الحرم فإنّ الصيد في هاتين الحالتين محرّم عليكم. {إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ} يعني: أنّ الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وفرض ما يشاء أن يفرضه عليكم من أحكامه، وفرائضه ممّا فيه مصلحة لعباده، لا اعتراض عليه، ولا معقّب لحكمه.

الإعراب: (يا): أداة نداء تنوب مناب أدعو، أو أنادي. (أيّها): منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب‍: (يا). و (ها): حرف تنبيه لا محلّ له من الإعراب، وأقحم

<<  <  ج: ص:  >  >>