الحرام: الكعبة المعظمة، ويلحق بها جميع الحرم؛ لما صحّ من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب يوم فتح مكّة، فقال:«إنّ هذا البلد حرام حرّمه الله تعالى يوم خلق السّماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلاّ لمن عرّفها، ولا يختلى خلاه». والحلال: ضد الحرام.
{وَلا الْهَدْيَ:} هو ما أهدي إلى الحرم من النّعم ليذبح فيه، ويأكله الفقراء، والمساكين.
والمراد: النّهي عن التعرّض له بسوء. {وَلا الْقَلائِدَ:} هو كل ما علق على أسنمة الهدايا، وأعناقها علامة: أنّه لله سبحانه: من نعل، أو قشر شجر، وهي سنّة إبراهيميّة بقيت في الجاهلية، وأقرّها الإسلام، وعطفها على الهدي من ذكر الخاصّ بعد العام، فإنّها أشرف الهدي، وأعظمه، قال الشاعر:
حلفت بربّ مكّة والمصلّى... وأعناق هدين مقلّدات
والمعنى: ولا تستحلّوا الهدي خصوصا المقلّدات منها. وقيل: أراد أصحاب القلائد، وذلك: أن العرب في الجاهلية كانوا إذا أرادوا الخروج من الحرم؛ قلّدوا أنفسهم، وإبلهم من لحاء شجر الحرم إذا رجعوا من مكّة؛ ليأمنوا على أنفسهم من العدو، فإنّهم كانوا إذا رأوا شخصا جعل في عنقه تلك القلادة عرفوا: أنّه راجع من الحرم، فلا يتعرضون له. فعلى هذا فالعطف للمغايرة.
{وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ} أي: ولا تستحلوا القاصدين إلى البيت الحرام، وهو الكعبة المعظمة شرفها الله، وعظمها. {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً:} يطلبون من الله الرزق، والأرباح في التجارة، ويطلبون رضا الله عنهم بزعمهم؛ لأنّ الكافر لا حظّ له في الرضوان، لكن يظن:
أن فعله ذلك طلب الرضوان، فيجوز أن يوصف به بناء على ظنّه. {وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا:} أمر إباحة، أي: إن حللتم من إحرامكم؛ فاصطادوا الوحوش الّتي يحلّ أكلها؛ لأنّ الله تعالى حرّم الصيد على المحرم حالة إحرامه، أو كان في أرض الحرم، كما تقدم.
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي: لا يحملنكم: {شَنَآنُ قَوْمٍ:} بغض قوم، وعداوتهم. {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} أي: منعوكم عن المسجد الحرام، وهذا كان من قريش عام الحديبية. {أَنْ تَعْتَدُوا:} عليهم انتقاما منهم بأخذ أموالهم، وقتلهم. هذا؛ وقرئ بفتح الهمزة، وكسرها، فالفتح على التعليل. والكسر، فمعناه: إن وقع صدّ لكم؛ فلا يكسبنكم بغض من صدّكم أن تعتدوا، فالصدّ منتظر، ومنه قول الفرزدق-وهو الشاهد رقم [٢٩] من كتابنا فتح القريب المجيب يروى بفتح همزة: «أن»، وكسرها، وخذه:[الطويل]
أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم؟