للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى} أي: ليعن بعضكم بعضا على ما يكسب البرّ، والتقوى. قال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: البر: متابعة السّنّة. {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} أي: لا يعن بعضكم بعضا على الإثم، وهو الكفر، والعدوان، وهو الظلم، فيأمر الله عزّ وجل عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات على جميع أنواعها، وهو البرّ. وترك المنكرات، والمعاصي جميعها، وهو التّقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المأثم، والمحارم.

هذا؛ وفي الجملتين من المحسّنات البديعية: المقابلة.

وعن النواس بن سمعان-رضي الله عنهما-قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ، والإثم، فقال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطّلع عليه النّاس». أخرجه مسلم. هذا؛ وفسر الإثم في الآية رقم [٣٢] من سورة (الأعراف) بالخمر، واستدلّ عليه بقول بعض الجاهليين: [الوافر]

شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي... كذاك الإثم يذهب بالعقول

{وَاتَّقُوا اللهَ} خافوا الله، واحذروا أن تهملوا ما أمركم به، أو تعتدوا، وتجاوزوا إلى ما نهاكم عنه: {إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:} لمن خالف أوامره، وتعدّى حدوده. ففيه وعيد، وتهديد عظيمين.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة في الحطم، واسمه: شريح بن هند بن ضبعة البكري، أتى المدينة وحده، وخلف خيله خارج المدينة، ودخل على النبيّ، فقال: إلام تدعو الناس؟ فقال:

«إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة». فقال: حسن إلا أنّ لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم، ولعلّي أسلم، وآتي بهم! فخرج من عنده، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلّم بلسان شيطان، فلمّا خرج شريح؛ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرّجل بمسلم». فمر بسرح من سرح المسلمين، فاستاقها؛ وهو يرتجز ويقول: [الرجز]

قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم... ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزّاز على ظهر وضم... باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزّلم... خدلّج السّاقين خفّاق القدم

فطلبه المسلمون، فلم يدركوه، فلمّا كان العام القابل، وخرج الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لعمرة القضية فسمع تلبية حجّاج اليمامة، فقال: هذا الحطم، وأصحابه، وكان قد قلّد ما نهب من سرح المدينة، وأهداه إلى مكّة، فتوجّهوا في طلبه، فنزلت الآية الكريمة، والمعنى: لا تحلّوا ما أشعر لله، وإن كانوا مشركين. ولكن قد نسخ هذا الحكم بسورة (التوبة) وبالآيات التي تأمر بقتال المشركين أينما كانوا. والله أعلم بمراده.

<<  <  ج: ص:  >  >>