للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يقول الله تعالى: ما أدركتم من هذا كلّه؛ وفيه روح؛ فاذبحوه، فهو حلال. وأمّا كيفية إدراكها؛ فقال أكثر أهل العلم من المفسّرين: إن أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف، أو ذنب يتحرّك. فأكله جائز. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا طرفت بعينها، أو ركضت برجلها، أو تحركت؛ فاذبح فهو حلال. واختار الزجّاج وابن الأنباري: أنّ معنى التّذكية: أن تلحقها، وفيها بقيّة تشخب معها الأوداج، ويضطرب المذبوح لوجود الحياة فيه قبل ذلك؛ وإلا؛ فهو كالميتة.

وأصل (الذكاة) في اللّغة: تمام الشيء. فالمراد من التّذكية تمام قطع الأوداج، وإنهار الدم.

ويدل عليه ما روي عن رافع بن خديج عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أنهر الدّم، وذكر اسم الله عليه؛ فكلوه، ليس السنّ الظّفر، وسأحدّثكم عن ذلك، أمّا السّنّ؛ فعظم، وأمّا الظّفر؛ فمدى الحبشة». أخرجاه في الصّحيحين. هذا وأقل الذّبح في الحيوان المقدور عليه قطع المريء، والحلقوم. وأكمله قطع الودجين مع ذلك. وغير المقدور عليه كحيوان وقع في بئر، أو شرد؛ فجرحه في أيّ جزء منه يحلّه، والله الموفّق.

{وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ:} واحد النصاب، وهي: أحجار كانت منصوبة حول الكعبة، أو في مكان آخر يذبحون عليها، ويعدّون ذلك قربة. وقيل: هي الأصنام التي كانوا يعبدونها، فتكون:

{عَلَى} بمعنى اللام، ويكون المراد تعظيمها بهذا الذّبح، لا المانع ذكر اسمها، فإن ما يذكر اسم الله عليها قد تقدّم بقوله تعالى: {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ:} قال الأعشى من قصيدته الّتي مدح بها النّبي صلّى الله عليه وسلّم: [الطويل]

وذا النّصب المنصوب، لا تنسكنّه... لعافية والله ربّك فاعبدا

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ:} تطلبوا القسم، والحكم بالأزلام، وهذا من المحرّمات.

و (الأزلام): جمع: زلم بوزن جمل، أو صرد لغتان: قدح-بكسر القاف-سهم صغير لا ريش له، ولا نصل، وكانت سبعة مستوية، مكتوب على واحد: أمرني ربي، وعلى واحد: نهاني ربي، وعلى واحد: منكم، وعلى واحد: من غيركم، وعلى واحد: ملصق، وعلى واحد:

العقل، وواحد غفل، أي: غير مكتوب عليه شيء. وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا سفرا، أو تجارة، أو نكاحا، أو اختلفوا في نسب، أو أمر قتيل، أو تحمل عقل، أو غير ذلك من الأمور العظام؛ جاءوا إلى هبل، وكان أعظم صنم لقريش بمكة، وكان في الكعبة، وجاءوا بمائة درهم، وأعطوها صاحب القداح؛ حتى يجيلها لهم، فإن خرج: أمرني ربي؛ فعلوا ذلك الأمر، وإن خرج: نهاني ربي؛ لم يفعلوا. وإذا أجالوا على نسب، فإن خرج: منكم؛ كان وسطا فيهم، وإن خرج: من غيركم؛ كان حليفا فيهم، وإن خرج: ملصق؛ كان على حاله. وإن اختلفوا في العقل، وهو الدّية، فمن خرج عليه قدح العقل؛ تحمّله، وإن خرج الغفل؛ أجالوا ثانيا؛ حتّى يخرج المكتوب عليه. فنهاهم الله عن ذلك، وحرّمه، وسمّاه: فسقا. انتهى. خازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>