للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة، وهو نوع من القمار، فقد كانوا يتآمرون على ناقة تذبح، فيقطعونها ثمانية وعشرين قطعة، ويأتون بعشرة أقداح، اسم الأول: الفذ، يربح قطعة واحدة، والثاني: التوأم، يربح قطعتين، والثالث: الرقيب، يربح ثلاثا، والرابع: الحلس، يربح أربعا، والخامس: النافس، يربح خمسا، والسادس: المسبل، يربح ستّا، والسّابع: المعلّى، يربح سبعا، والثّامن: السّفيح، والتاسع: الوغد، والعاشر:

المنيح، وهذه الأقداح الثلاثة خاسرة لا نصيب لها من الرّبح. يجعلون هذه الأقداح العشرة في خريطة، ويسلمونها إلى رجل مشهور بالأمانة بعيد عن التلاعب، فيخضّها، ثمّ يخرج منها قدحا باسم أحد المتقامرين، ثمّ يخضها ثانية، ويخرج منها قدحا باسم غيره، وهكذا حتى تنتهي القداح العشرة، فمن خرج باسمه الفذ؛ فله سهم واحد، ومن خرج باسمه التوأم؛ فله سهمان إلى أن تنتهي الأسهم الرابحة، أمّا القداح الثلاثة تتمة العشرة؛ فلا تربح شيئا، وأصحاب هذه القداح يدفعون ثمن المقامر عليه مع الرّابحين بالتّساوي طيبة بها نفوسهم مفتخرين. وكان الرّابحون لا يأخذون شيئا ممّا ربحوه، بل يتبرعون بجميعه إلى الفقراء والمحتاجين، ويكتفون بمدح الناس، وثنائهم عليهم. قال عنترة في معلّقته رقم [٥٤] في وصف من قتله: [الكامل]

ربذ يداه بالقداح إذا شتا... هتّاك غايات التّجار ملوّم

وقال لبيد-رضي الله عنه-في معلقته رقم [٧٣ و ٧٤]: [الكامل]

وجزور أيسار دعوت لحتفها... بمغالق متشابه أجسامها

أدعو بهنّ لعاقر، أو مطفل... بذلت لجيران الجميع لحامها

{ذلِكُمْ فِسْقٌ} أي: ما ذكر من هذه المحرمات في هذه الآية؛ لأنّ المعنى: حرّم عليكم تناول كذا، وكذا؛ فإنه فسق، والفسق: ما يخرج من الحلال إلى الحرام. وقيل: إنّ الإشارة عائدة على الاستقسام بالأزلام، والأول أصحّ. {الْيَوْمَ:} لم يرد به يوما بعينه، وإنّما أراد الزمن الحاضر، وما يتّصل به من الأزمنة. وإنّما المعنى: الآن يئس الذين كفروا من دينكم، فهو كما تقول: اليوم قد كبرت، تريد الآن قد كبرت، ولم تقصد به اليوم، قال النّمر بن تولب الصحابي -رضي الله عنه وهو الشاهد رقم [٢٠٩] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الخفيف]

ربّ أمر يسوء ثمّ يسرّ... وكذاك الزّمان حلو ومرّ

وقيل أراد به: يوم نزولها، وقد نزلت على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو واقف بعرفة بعد عصر الجمعة، وذلك في حجّة الوداع سنة عشر من الهجرة. {يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} أي: يئسوا أن ترجعوا عن دينكم إلى دينهم كفارا، وذلك: أنّ الكفار كانوا يطمعون في أن يعود المسلمون إلى دينهم، فلمّا قوي الإسلام؛ أيسوا من ذلك، وكان ذلك هو اليوم الذي دخل فيه رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>