للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلّم مكّة عام حجّة الوداع أو هو اليوم الذي فتح فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة. هذا؛ و {يَئِسَ} ضد طمع بمعنى: قطع أمله، وقد يأتي بمعنى علم، وهي لغة النخع، وقيل: هي لغة هوازن، وإنّما استعمل اليأس بمعنى العلم؛ لأنّه سبب عن العلم بأن الميئوس منه لا يكون، وبه فسر قوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [٣١]: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً} واستدلوا لهذه اللغة بقول سحيم بن وثيل اليربوعي، وقال القرطبي في غير هذا الموضع: هو لمالك بن عوف النّصري: [الطويل]

أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني... ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم؟

وزهدم: اسم فرس سحيم. وقال رباح بن عدي: [الطويل]

ألم ييئس الأقوام أنّي أنا ابنه... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

{فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} الخشية: خوف يشعر بتعظيم، ومهابة المخوف منه، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه. هذا؛ والماضي: خشي، والمصدر: خشية، والرجل خشيان، والمرأة خشيا، وهذا المكان أخشى من ذلك، أي: أشد خوفا منه. هذا؛ وقد يأتي «خشي» بمعنى «علم» القلبية، قال الشاعر المسلم:

ولقد خشيت بأنّ من تبع الهدى... سكن الجنان مع النّبيّ محمّد

قالوا: معناه: علمت، وقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٨٠]: {فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً} قال الأخفش: معناه: كرهنا.

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بالنصر، والإظهار على الأديان كلّها، أو بتوضيح قواعد العقائد، وشرح أصول الشرائع، وتبيين قواعد الاجتهاد، وتتميم الفرائض، وذلك: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها، فلمّا هاجر إلى المدينة المنورة؛ أنزل الله الآيات التي تبيّن الحلال، والحرام إلى أن حجّ، فلمّا حجّ، وكمل الدّين؛ نزلت هذه الآية على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في يوم الجمعة بعد عصر يوم عرفة، وهو واقف بعرفات على ناقته العضباء، فكادت عضد الناقة تندق من ثقل الوحي فبركت، وكان ذلك في حجّة الوداع سنة عشر من الهجرة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يحجّ بعد النبوّة غير هذه الحجّة، وسمّيت حجّة الوداع لشرحه صلّى الله عليه وسلّم أمور الدّين، وتبيين ما يلزم المسلمين في دينهم، ودنياهم، وكثرة وصاياهم بالتقوى-رضي الله عنهم-وحثهم على أعمال البرّ، والخير؛ حتّى قالوا: كأنّها وصية مودّع. روى الأئمة عن طارق بن شهاب-رضي الله عنه-قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر-رضي الله عنه-فقال له: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها لو علينا أنزلت معشر اليهود؛ لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال-رضي الله عنه-: وأيّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} فقال الفاروق-رضي الله عنه-: إنّي لأعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>