للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه، نزلت على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعرفات في يوم الجمعة، وقد اتخذنا يوم نزولها عيدا. متّفق عليه. وقد روي: أنّ الحجّ بعد ذلك إذا صادف الوقوف بعرفات يوم الجمعة كانت الحجة بسبعين حجّة، وتسمّى: الحج الأكبر.

هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد: يوم جمعة، ويوم عرفة، وعيد لليهود، وعيد للنّصارى، وعيد للمجوس، ولم تجمع أعياد لأهل الملل في يوم واحد قبله، ولا بعده، وروي: أنّه لما نزلت هذه الآية بكى عمر-رضي الله عنه-فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك يا عمر؟!» فقال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل فإنّه لم يكمل إلا نقص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت» فكانت هذه الآية نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاش بعدها أحدا وثمانين يوما، ولم ينزل بعدها آية حلال أو حرام، وإن نزل بعدها آية موعظة، وهي قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٨١]: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} وعاش بعد هذه الآية أحدا وعشرين يوما.

{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} يعني: بإكمال الدّين، والشّرائع، والأحكام، كما وعدتكم؛ إذ قلت:

{وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} فكان من تمام النّعمة أن دخلوا مكّة آمنين، وحجّوا مطمئنين، لم يخالطهم أحد من المشركين. {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} أي: اخترت لكم الإسلام دينا من الأديان.

{الْإِسْلامَ} في هذه الآية هو الذي في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٩]: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ} وقال جلّ ذكره في الآية [٨٥] منها: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} وخذ ما يلي:

عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن جبريل، عليه السّلام، عن الله تعالى؛ قال: «إنّ هذا دين ارتضيته لنفسي، ولن يصالح له إلاّ السّخاء، وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه». رواه البغوي، والطبراني في الأوسط.

{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ:} ألجأته الضرورة إلى تناول شيء من المحرّمات في مجاعة. {غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ} غير مائل منحرف لمعصية بأن يأكلها تلذذا، أو متجاوزا حدّ الحاجة، والرّخصة.

وانظر: {غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ} في الآية رقم [١٧٣] من سورة (البقرة) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و (المخمصة): الجوع، وخلاء البطن من الطّعام، والخمص: ضمور البطن، ورجل خميص، وخمصان، وامرأة خميصة، وخمصانة، ومنه: أخمص القدم، ويستعمل كثيرا في الجوع، ومثله الغرث، قال الأعشى: [الطويل]

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

أي: منطويات على الجوع، قد أضمر بطونهنّ. وقال النّابغة في خمص البطن من جهة ضمره: [الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>