للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالهداية إلى الإسلام، ودفع شرّ المعتدين، ثمّ أعقبه ببيان نعمته تعالى على اليهود، والنصارى، وأخذه العهد، والميثاق عليهم، ولكنّهم نقضوا العهد، فألزمهم الله العداوة، والبغضاء إلى يوم القيامة، ثمّ دعا الفريقين إلى التمسّك بنور القرآن، والتمسّك بشريعة خاتم المرسلين.

ذكر في سبب نزول الآية الكريمة أقوال كثيرة: أحدها: ما ذكرته في الآية رقم [١٠٢] من سورة (النساء) من قصّة غورث بن الحارث المحاربي. وثانيها: ما روي: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أتى بني النّضير، ومعه الخلفاء الأربعة بعده يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضّمري خطأ يحسبهما مشركين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم حتّى نطعمك، ونقرضك، فأجلسوه في صفة، وهمّوا بالفتك به، حيث عمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه، فأمسك الله يده، ونزل جبريل، عليه السّلام، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عندهم، واعتبر ذلك نقضا للعهد الذي بينه، وبينهم وأعلن حربهم، ثم أجلاهم عن المدينة المنوّرة. انظر أول سورة الحشر. قال القشيري رحمه الله تعالى: وقد تنزل الآية في قصّة، ثم ينزل ذكرها مرّة أخرى لادّكار ما سبق.

{اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ:} انظر الآية رقم [٧]. {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ:} عزموا، وقرّروا، وأرادوا. والهم: العزم على الشيء، والمقاربة من الفعل من غير دخول فيه، ومنه قوله تعالى في سورة (يوسف) الصديق، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها} وقال عمرو بن ضابئ البرجمي: [الطويل]

هممت ولم أفعل وكدت وليتني... تركت على عثمان تبكي حلائله

والهم: الحزن، ومثله: الغمّ، ويفرق بينهما بأنّ الأول لأجل تحصيل شيء في المستقبل، والثاني لأجل فوات شيء، وفقدانه في الماضي، وبأنّ الأوّل يطرد النّوم، ويسبب الأرق، والثاني يجلب النّوم، ويسبب الهدوء والسكون. والهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان؛ أسرع فيه الشّيب، وهزل جسمه. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «الهمّ نصف الهرم». وقال أبو الطيب المتنبي: [الكامل]

والهمّ يخترم الجسيم نحافة... ويشيب ناصية الصّبيّ فيهرم

هذا؛ و {قَوْمٌ} اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل: رهط، ومعشر، فإنّ المفرد لهذه الأسماء لفظ: رجل، وجمعها: أقوام، وأراهط، ومعاشر، هذا؛ و (قوم) يطلق على الرجال دون النساء بدليل قوله تعالى في سورة الحجرات رقم [١١]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}. وقال زهير بن أبي سلمى: [الوافر]

وما أدري-وسوف إخال أدري-... أقوم آل حصن أم نساء؟

وهذا هو الشاهد رقم [٥٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». وربما دخل فيه النّساء على

<<  <  ج: ص:  >  >>