يا بن عباس! أنت حبر الأمّة، وترجمان القرآن علّمك الله أسرار الكتاب، وفقّهك في الدّين، فقل لي بربك: لماذا قرن الله الصلاة إلى الزّكاة في القرآن في أكثر من ثلاثين آية؟ فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ذلك؛ لتعلم: أنّ الصلاة، والزّكاة توأمان، لا يقبل الله إحداهما بدون الأخرى، تلك حقّ الله، وهذه حقّ الناس. ورضي الله عن الصدّيق الذي سوّى بين المرتدّين، ومانعي الزكاة في القتال، والمحاربة. وخذ قول أبي العتاهية الصّوفي، رحمه الله تعالى:[الكامل]
أقم الصّلاة لوقتها بشروطها... فمن الضّلال تفاوت الميقات
وإذا اتّسعت برزق ربّك فاجعلن... منه الأجلّ لأوجه الصّدقات
في الأقربين وفي الأباعد تارة... إنّ الزّكاة قرينة الصّلوات
هذا؛ وقال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-في غير هذا الموضع: وفي حديث: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من فرّق بين ثلاث؛ فرّق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة: من قال: أطيع الله، ولا أطيع الرّسول، والله يقول:{أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ،} ومن قال: أقيم الصّلاة ولا أوتي الزّكاة، والله يقول:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} ومن فرّق بين شكر الله، وشكر والديه، والله يقول: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ»}.
{وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي:} صدّقتم برسالتهم، واتّبعتم أوامرهم، واهتديتم بهديهم. وانظر الآية رقم [١٦٤] من سورة (النساء) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ:} نصرتموهم، وقويتموهم.
والتّعزير: التوقير، والتّعظيم، وهو أيضا ضرب دون الحدّ، وهو أشد الضّرب على فعل مخالف للدّين الحنيف، والشرع الشّريف، فهو من الأضداد، انظر الآية رقم [١١٧] من سورة (آل عمران) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. {وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً:} انظر القرض في الآية رقم [٢٤٥] من سورة (البقرة) تجد ما يسرّك ويثلج صدرك. هذا؛ و {قَرْضاً:} مصدر جاء بخلاف المصدر، كقوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٣٧]: {فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً}.
{وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:} انظر الآية رقم [٥٧] من سورة (النساء) والآية رقم [٦٥] الآتية ففيهما الكفاية. {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ} أي: بعد هذا البيان الذي تضمّن الوعد بغفران الذنوب، ودخول جنات، نعيمها لا ينفد، ولا يزول. {فَقَدْ ضَلَّ:} خرج عن جادة الحقّ، والصّواب. {سَواءَ السَّبِيلِ:} انظر الآية رقم [٧٧] الآتية.
تنبيه: في الآية الكريمة التفات من الغيبة، والإفراد إلى التكلّم، والجمع، ثمّ إلى الغيبة والإفراد، وانظر الالتفات في الآية رقم [٦٤] من سورة (النساء)، وفي الآية رقم [٦] من سورة (الأنعام).