للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسلّى بذلك نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم عمّا نزل به من الشدائد؛ التي حصلت له من مخالفة قومه، ومعاصيهم عليه. انتهى. خازن.

{إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ:} أي: كلّما مات نبيّ؛ قام فيكم نبيّ آخر من لدن أبيكم إبراهيم ومن بعده، فلم يخل زمن من نبيّ، ورسول فيكم يدعو إلى الله، ويحذّركم نقمته؛ حتى ختموا بعيسى ابن مريم، عليه السّلام، ثمّ أوحى الله إلى خاتم النبيين، والمرسلين محمد صلّى الله عليه وسلّم المنسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام. {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} أي: جعلكم أحرارا تملكون أنفسكم بعد أن كنتم عبيدا.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان الرّجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة، والخادم، والدار سمّي: ملكا. وقال ابن جرير: عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-، وسأله رجل، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله-رضي الله عنه-: لك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، فقال: إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك. أخرجه مسلم. وهذا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه عنده قوت يومه؛ فكأنّما حيزت له الدّنيا بحذافيرها».

أخرجه الترمذي، وابن ماجة عن عبد الله بن محصن، رضي الله عنه. هذا وقيل: إنّ المعنى:

جعلكم كالملوك في رغد العيش. فحذف أداة التشبيه، ووجه الشبه، فأصبح بليغا.

{وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ} يعني: عالمي زمانكم، فإنّهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان، والقبط، وسائر أصناف بني آدم، كما قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٤٧ و ١٢٢]: {اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ}.

هذا؛ و {الْعالَمِينَ} جمع: عالم بفتح اللام، وجمع لاختلاف أنواعه، وهو جواب عمّا يقال:

إنّه اسم جنس يصدق على كل ما سوى الله، والجمع لا بدّ أن يكون له ثلاثة أفراد، فأكثر، وجمع بالياء والنون كما يجمع بالواو والنون تغليبا للعقلاء على غيرهم، وهو يقال لكلّ ما سوى الله، ويدلّ له قوله تعالى حكاية عن قول موسى-على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم-لمّا قال له فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}. هذا؛ والعوالم كثيرة، لا تحصيها الأرقام، وهي منتشرة في هذا الكون المترامي الأطراف في البرّ، والبحر؛ إذ كلّ جنس من المخلوقات يقال له: عالم، قال تعالى: {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ} ولا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ورهط، وقوم. وقال مقاتل-رحمه الله تعالى-: العالمون ثمانون ألف عالم: أربعون ألف عالم في البر، وأربعون ألف عالم في البحر. انتهى. وجمع جمع المذكر السالم، وذلك بتغليب من يعقل على ما لا يعقل، والعالم مشتق من العلامة؛ لأنّه دالّ على وجود خالقه، وصانعه، وعلى وحدانيته-جلّ، وعلا-كما قال ابن المعتز: [المتقارب]

<<  <  ج: ص:  >  >>