للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «مُوسى»: هو في الأصل: «موشى» بالشين، وهو اسم أعجمي، لا ينصرف للعلمية، والعجمة: مركب من اسمين: الماء، والشجر، فالماء يقال له في العبرانية: «مو» والشجر يقال له: «شا» فعرّبته العرب، وقالوا: «مُوسى» بالسين، وسبب تسميته بذلك: أنّ امرأة فرعون التقطته من نهر النيل بين الماء، والشجر لما ألقته أمّه فيه، كما هو مذكور في سورة (طه) و (القصص).

وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٠].

{أَرْبَعِينَ لَيْلَةً:} خص الليالي بالذكر دون الأيام؛ لأن الليل أسبق من النّهار، فهي قبله في المرتبة، ولذلك وقع بها التاريخ، فالليالي أول الشهور، والأيام تبع لها. وقال النقاش: في هذه الآية إشارة إلى صلة الصّوم؛ لأنه لو ذكر الأيام؛ لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر باللّيل، فلما نصّ على الليالي اقتضت قوة الكلام: أنه عليه السّلام واصل أربعين يوما بلياليها، قال ابن عطية:

سمعت أبي يقول: سمعت الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل الجوهري-رحمه الله-يعظ الناس في الخلوة بالله، والدنوّ منه في الصّلاة ونحوها، وأنّ ذلك يشغل عن كلّ طعام، وشراب، ويقول: أين حال موسى في القرب منه، ووصل ثمانين من الدّهر من قوله حين سار للخضر لفتاه في بعض يوم: {آتِنا غَداءَنا} رقم [٦٢] من سورة (الكهف).

{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ} أي: اتخذتموه من بعد ذهابه إلى جبل الطور إلها من بعد موسى، وأصل الفعل: «ائتخذتم» من: الأخذ، ووزنه افتعلتم، سهّلت الهمزة الثانية لامتناع همزتين، فصار (ايتخذتم) فاضطربت الياء في التّصريف، جاءت ألفا في (ياتخذ) وواوا في (موتخذ) فبدلت بحرف ثابت من جنس ما بعدها، وهي التاء، ثمّ أدغمت التاء في التاء، ثم اجتلبت ألف الوصل للنطق بها، وقد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلام التّقرير كقوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً} الآية رقم [٨٠] الآتية، فاستغنى عن ألف الوصل بألف التقرير، ومنه قوله ذي الرّمّة: [البسيط]

أستحدث الرّكب عن أشياعهم خبرا... أم راجع القلب من أطرابه طرب

ومثله قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٧٨]: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} وقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٥٣]: {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} وقوله تعالى في سورة (ص) رقم [٧٥]: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} وقوله تعالى في سورة (المنافقون) رقم [٦]: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} انظر شرح هذه الآيات في محالّها.

{الْعِجْلَ} المراد به: الذي صنعه لهم السامريّ من ذهب، كما سترى تفصيله في سورة طه.

هذا والأربعون ليلة في قول المفسرين هي: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وكان ذلك بعد أن أنجاهم الله من كيد فرعون، وغرقه في البحر، وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله، فذهب موسى لمناجاة ربه على جبل الطور، وليطلب منه الكتاب الذي وعد قومه به، فصنع لهم السامريّ العجل، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٤٨]: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>