للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ..}. إلخ: لمّا بيّن الله في الآية السابقة: أنّه مالك الملك؛ أمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بتفويض الأمر إليه، وعدم المبالاة بمكايد الأعداء، وناداه بهذا النداء، فقال: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ولم يخاطبه بوصف الرّسالة في جميع القرآن إلا في موضعين في هذه السورة: هذا، وما يأتي في الآية رقم [٦٧]، وبقيّة خطاباته بوصف النبوّة، وكلا النّداءين فيهما تشريف، وتكريم له صلّى الله عليه وسلّم.

{لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} أي: يقعون في الكفر سريعا، أي: في إظهاره، والجهر به إذا وجدوا فرصة. والمراد: المنافقون؛ الذين قال الله فيهم: {مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} فإنّهم أظهروا الإيمان بالقول، وأخفوا الكفر في القلوب. والمعنى:

لا تهتمّ يا محمد بهم، ولا تبال بكفرهم، فإنّك منصور عليهم، ومحفوظ من شرّهم، فإنهم لن يضروك أبدا.

{وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا} أي: وطائفة من اليهود كذلك يسارعون في الكفر، ويؤذونك. {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ:} أي: إنّ سفلة اليهود، والمنافقين يسمعون الكذب من الأحبار من تحريف التوراة، والبهتان، والافتراء. وقيل: المعنى: يسمعون كلامك يا محمد؛ ليكذبوا عليك، وذلك: أنّهم كانوا يسمعون من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يخرجون من عنده، ويقولون: سمعنا كذا، وكذا، ولم يسمعوا منه، بل كذبوا عليه عند عامّتهم، يريدون تشويه سمعته، وتحريف رسالته، ونبوّته.

{سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} المراد: بنو قريظة الذين كانوا يسكنون المدينة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكانوا ينقلون الكلام لقوم آخرين هم أهل خيبر محرّفا، ومزيفا، فقد كان بنو قريظة جواسيس، وعيونا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. {لَمْ يَأْتُوكَ} يعني: إنّ أهل خيبر لم يأتوك، ولم يحضروا عندك يا محمد!.

{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} أي: يغيّرون حدود الله الّتي أوجبها عليهم في التّوراة،

وذلك: أنّهم بدّلوا الرّجم بالجلد، والتّحميم. وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: إنّهم يغيّرون ما يسمعون من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالكذب عليه. هذا؛ وقد قال تعالى هنا: {مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} وقال في الآية رقم [١٣] وفي سورة (النساء) رقم [٤٦]: {عَنْ مَواضِعِهِ} والفرق بينهما: أنا إذا فسّرنا: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} بالتّأويلات الباطلة، فيكون معنى قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ:} أنّهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيها بيان: أنّهم يحرفون تلك اللّفظة من الكتاب، وأما قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} ففيه دلالة على أنّهم جمعوا الأمرين: يعني أنّهم كانوا يذكرون التأويلات الفاسدة، وكانوا يحرّفون اللّفظة من الكتاب، ففي قوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} إشارة إلى التأويل الباطل، وفي قوله:

{مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} إشارة إلى إخراجه من الكتاب بالكلّية. انتهى. خازن. وانظر شرح {الْكَلِمَ} في الآية رقم [١٣]. وملخص الكلام: أنّ لليهود صفتين بارزتين: الأولى: سماع

<<  <  ج: ص:  >  >>