للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكذب من أحبارهم، ونقله إلى عوامّهم. والثانية: وسماع الحق منك يا محمد! ونقله لأحبارهم؛ ليحرفوه. {يَقُولُونَ} أي: علماء اليهود لسفلتهم. {إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ} يعني:

إن أفتاكم محمّد بالجلد، والتّحميم؛ فاقبلوا منه، واعلموا به. {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: وإن لم يفتكم بذلك، وأفتاكم بالرّجم؛ فاحذروا أن تقبلوا منه.

{وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ} أي: ضلالته في الدنيا، وعقوبته في الآخرة. {فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً:} فلن تقدر على دفع أمر الله فيه. وفيه ردّ على من يقول بالصّلاح، والأصلح، وعلى من يقول: إنّ العبد يخلق أفعال نفسه كالمعتزلة. {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي: لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم من رجس الكفر، وخبث الضّلالة، كاليهود، ونفاق المنافقين.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ الله لم يرد إسلام الكافر، وأنّه لم يطهّر قلبه من الشكّ، والشّرك، ولو فعل ذلك لامن. وهذه الآية من أشد الآيات على القدريّة.

{لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ:} قيل: هو فضيحتهم حين أنكروا الرّجم، ثمّ أحضرت التوراة فوجد فيها الرّجم. وقيل: خزيهم بأخذ الجزية منهم، والقتل، والسّبي، والطّرد من أرض الحجاز إلى غيرها. وخزي المنافقين بالفضيحة، وهتك أستارهم بإظهار نفاقهم، وخبثهم، ومكرهم. {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ:} هو الخلود في جهنم، قال أبو حيّان-رحمه الله تعالى-: الآية جاءت تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتخفيفا عنه من ثقل حزنه على مسارعتهم في الكفر، وقطعا لرجائه من إسلامهم، وفلاحهم.

هذا والخزي، والإخزاء هو: الإذلال، قال ذو الإصبع العدواني وهو شاعر جاهليّ: [البسيط]

لاه ابن عمّك (١) ... لا أفضلت في حسب

عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

وهذا هو الشّاهد رقم [٢٦٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». ومنه قول حسّان بن ثابت -رضي الله عنه-يخاطب به من شجّ وجه النّبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد: [الطويل]

فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك (٢) ... ولقّاك قبل الموت إحدى الصّواعق

مددت يمينا للنّبيّ تعمّدا... ودمّيت فاه قطّعت بالبوارق (٣)

وهو على هذا من الرّباعي، من: أخزى، يخزي، وهو من الثّلاثي: خزي، يخزى، خزاية بمعنى: استحيا، وخجل. قال نهشل بن حريّ الدّارميّ من قصيدة يرثي بها أخاه، وكان قتل بصفين مع الإمام عليّ، كرّم الله وجهه: [الطويل]


١) أصله: لله درّ ابن عمّك.
٢) هو: عتبة بن أبي وقاص.
٣) البوارق: جمع بارق، وهو السيف، لأنّه يبرق، ويلمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>