والرّبا، وغير ذلك من أنواع الحرام، وهو من: سحته: إذا استأصله، والسّحت في اللغة أصله:
الهلاك، والشدّة، قال تعالى في سورة (طه) حكاية عن قول موسى لقوم فرعون: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ..}. إلخ، وقال الفرزدق في مدح عبد الملك:[الطويل]
وعضّ زمان يا بن مروان لم يدع... من المال إلاّ مسحتا أو مجلّف
وسمّي المال الحرام: سحتا؛ لأنّه يسحت الطّاعات، أي: يذهب بركتها، ويستأصلها، ولأنّه يسحت مروءة الإنسان، وكرامته، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«كلّ لحم نبت من السّحت فالنّار أولى به». أخرجه الطّبراني في الصّغير عن عبد الله بن عبّاس-رضي الله عنهما-. والسّحت:
الرّشوة، فعن ثوبان-رضي الله عنه-قال:«لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الرّاشي، والمرتشي، والرّائش». يعني: الذي يمشي بينهما. رواه أحمد، والطّبرانيّ.
وروي عن وهب بن منبه: أنّه قيل له: الرّشوة حرام في كل شيء؟ قال: لا، إنّما يكره من الرّشوة أن ترشي لتعطى ما ليس لك، أو تدفع حقّا قد لزمك، فأمّا أن ترشي لتدفع عن دينك، ودمك، ومالك؛ فليس بحرام. انتهى. أقول: وكذلك إن دفعت الرّشوة لتصل إلى حقّك، فعند ذلك تقتصر اللّعنة على الّذي يماطل في الحقّ؛ حتى يأخذ الرّشوة؛ مثلا كالموظف الّذي لا يؤدّي واجبه إلا بالرّشوة.
لذا فقد نزلت الآية الكريمة في حكّام اليهود، مثل: كعب بن الأشرف، وأمثاله، كانوا يرتشون، ويقضون لمن رشاهم. قال الحسن البصريّ-رحمه الله تعالى-: كان الحاكم منهم إذا أتاه أحدهم برشوة؛ جعلها في كمّه، ثمّ يريه إيّاها، ويتكلّم بحاجته، فيسمع منه، ولا ينظر إلى خصمه، فيسمع الكذب، ويأكل الرّشوة، وهي السّحت.
قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: الرّشوة في كل شيء، فمن شفع شفاعة ليردّ بها حقّا، أو يدفع بها ظلما، فأهدى بها إليه هدية، فقبلها؛ فهو سحت. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم، فقال الأخذ على الحكم كفر، قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ}. هذا؛ والسّحت يقرأ بضم السّين، وسكون الحاء، وبضمهما، وقرئ بفتح السّين مع سكون الحاء.
{فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} خيّر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الحكم بينهم، فإن شاء حكم، وإن شاء ترك. قال الحسن، ومجاهد، والسّدّيّ: نزلت في اليهوديين اللذين زنيا. وقال قتادة: نزلت في رجلين من قريظة، والنضير، قتل أحدهما الآخر. قال ابن زيد-رحمه الله تعالى-: كان حيي بن أخطب قد جعل للنّضيريّ، وللقرظيّ دية واحدة؛ لأنّه كان من النضير، فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حيي، ونتحاكم إلى محمّد، فأنزل الله هذه الآية يخير فيها نبيّه