للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا} أراد بالنّبيّين: الّذين بعثوا بعد موسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وذلك: أنّ الله بعث في بني إسرائيل ألوفا من الأنبياء، والمرسلين، وليس معهم كتاب، إنّما بعثوا بإقامة التوراة، وأحكامها. ومعنى {أَسْلَمُوا:} انقادوا لأمر الله تعالى، والعمل بكتابه، وهذا على سبيل المدح لهم، وفيه تعريض باليهود؛ لأنّهم بعدوا عن الإسلام، الذي هو دين الأنبياء. وتنويه بشأن المسلمين؛ الذين هم مهتدون بهدي الأنبياء، والمرسلين. وقال ابن الأنباري: هذا ردّ على اليهود، والنصارى؛ لأنّ الأنبياء-عليهم السّلام-ما كانوا موصوفين باليهوديّة، والنّصرانية، بل كانوا مسلمين لله تعالى، منقادين لأمره، ونهيه، ومعنى: {لِلَّذِينَ هادُوا:} على الذين هادوا؛ أي: يحكمون على اليهود بحكم التّوراة، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حملهم على حكم الرّجم، كما هو في التوراة، ولم يوافقهم على الجلد، والتّحميم.

{وَالرَّبّانِيُّونَ} جمع: رب، وفيه قولان: أحدهما: أنّه منسوب إلى الربّ، والألف، والنون فيه زائدتان في النسب دلالة على المبالغة، والثاني: أنّه منسوب إلى ربّان، والرّبّان هو معلم الخير، ومن يسوس النّاس، ويعرّفهم أمر دينهم، فالألف والنون دالان على زيادة في الوصف، كهي في:

عطشان، ونحوه، وتكون النسبة على هذا للمبالغة في الوصف نحو: أخمري. والأول قول سيبويه، والثاني قول المبرد. واختلفوا في معنى الربّاني؛ فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: فقهاء علماء، وعنه أيضا: فقهاء معلّمون. وقيل: الربّانيّ هو الذي يربّي النّاس بصغار العلم، وكباره، وقيل: الربّانيّ: العالم الّذي يعمل بعلمه، وقيل: الرّبانيّ: العالم بالحلال، والحرام، والأمر، والنهي. وقيل: الربّانيّ الذي جمع بين علم البصيرة، والعلم بسياسة الناس. ولما مات ابن عباس -رضي الله عنهما-قال ابن الحنفية-رضي الله عنه-: اليوم مات ربّانيّ هذه الأمة.

{وَالْأَحْبارُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم الفقهاء، واحدة: حبر-بفتح الحاء وكسرها لغتان-وإنّما سمي العالم: حبرا؛ لما عليه من أثر جمال العلم، كما أنّ الحبر يترك أثرا على الورقة عند الكتابة به. وهل هناك فرق بين الربّانيين، والأحبار، أم لا؟ فقيل: لا فرق، وهم بمعنى واحد، وهم العلماء، والفقهاء. وقيل: الربّانيّون أعلى درجة من الأحبار؛ لأنّ الله قدّمهم في الذّكر على الأحبار، وقيل: الرّبانيّون: علماء النّصارى، والأحبار: علماء اليهود.

وانظر توبيخهم في الآية رقم [٦٣] الآتية.

{بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ:} بسبب أمر الله إيّاهم أن يحفظوا كتابه من التّضييع، والتحريف، وقيل: هو أن يحفظوه، فلا ينسوه، وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين معا، وذلك بأن يحفظوا كتاب الله في صدورهم، ويدرسونه بألسنتهم؛ لئلا ينسوه، وأن لا يضيعوا أحكامه، ولا يهملوا شرائعه، فإذا فعلوا ذلك؛ كانوا قائمين بحفظه، ورعايته.

<<  <  ج: ص:  >  >>