للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ... :} رقباء؛ لئلا يحرّف، ويبدّل، ويعلمون: أنّه حقّ من عند الله، وصدق، كما فعل عبد الله بن سلام، وابن صوريا؛ حيث عملا بالتّوراة، وآمنا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم:

{فَلا تَخْشَوُا النّاسَ..}. إلخ: انظر الآية رقم [٣]. {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي..}. أي: ولا تستبدلوا بآيات الله، وأحكامه ثمنا قليلا، يعني: الرّشوة في الأحكام، والجاه عند الناس، ورضاهم.

والمعنى: كما نهيتكم عن تغيير الأحكام لأجل خوف الناس؛ لذلك أنهاكم عن التغيير، والتبديل؛ لأجل الطّمع في المال، والجاه، وأخذ الرّشوة، فإنّ كلّ متاع الدّنيا قليل، لا قيمة له بجانب نعيم الآخرة الدائم، هذا؛ وفي قوله تعالى: {فَلا تَخْشَوُا..}. إلخ التفات من الغيبة إلى الخطاب، والقياس: فلا يخشوا، ولا يشتروا. وللالتفات فوائد كثيرة: منها تطرية الكلام، وصيانة السّمع عن الضّجر، والملال؛ لما جبلت عليه النفوس من حبّ التنقلات، والسّآمة من الاستمرار على منوال واحد. هذه فوائده العامّة، ويختصّ كلّ موضع بنكت، ولطائف باختلاف محلّه، كما هو مقرّر في علم البديع، ووجهه حثّ السّامع، وبعثه على الاستماع؛ حيث أقبل عليه المتكلّم، وأعطاه فضل عنايته، وخصّصه بالمواجهة.

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ:} مستهينا به، ومنكرا له. {فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ:}

لاستهانتهم به، وتمرّدهم عليه بأن حكموا بغيره، ولذلك وصفهم الله بقوله الآتي: {الظّالِمُونَ} و {الْفاسِقُونَ} فكفرهم لإنكاره، وجحوده، وظلمهم بالحكم بخلافه، وفسقهم بالخروج عنه، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا؛ فهو كافر، وإن لم يكن جاحدا؛ فهو فاسق ظالم. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: هي عامّة في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين، واليهود، والكفّار. وقيل: الكافرون للمسلمين، والظّالمون لليهود، والفاسقون للنّصارى. وهذا اختيار أبي بكر ابن العربي. قال: لأنّه ظاهر الآيات، وهو اختيار ابن عباس، وجابر بن زيد، وابن أبي زائدة، وابن شبرمة، والشعبيّ أيضا. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. وخذ ما يلي:

عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهنّ-وأعوذ بالله أن تدركوهنّ-: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ؛ حتّى يعلنوا بها؛ إلاّ فشا فيهم الطّاعون، والأوجاع؛ الّتي لم تكن مضت في أسلافهم؛ الّذين مضوا قبلهم، ولم ينقصوا المكيال، والميزان؛ إلاّ أخذوا بالسّنين، وشدّة المئونة، وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلاّ منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلاّ سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله؛ إلاّ جعل الله بأسهم بينهم» رواه ابن ماجة برقم: [٤٠١٩]، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>