للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إنّ اليهود، والمنافقين كانوا إذا سمعوا الأذان؛ حسدوا المسلمين على ذلك، فدخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: يا محمد! لقد أبدعت شيئا لم يسمع بمثله فيما مضى من الأمم، فإن كنت تدّعي النبوة؛ فقد خالفت الأنبياء قبلك، ولو كان فيه خير؛ لكان أولى الناس به الأنبياء، فمن أين لك صياح كصياح العير؟ فما أقبح هذا الصوت! وما أسمج هذا الأمر! فأنزل الله عزّ وجل هذه الآية، وأنزل قوله جلّ ذكره: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ..}. إلخ الآية رقم [٣٣] من سورة (فصلت).

تنبيه: ليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذه الآية، أمّا ذكر النداء في سورة (الجمعة) فهو خاصّ بيوم الجمعة، والأذان سنة لكلّ فرض صلاة، سنة كفاية في الجماعة، وسنّة عين للمنفرد، وأمّا فضل الأذان، والمؤذن؛ فقد جاءت فيه أيضا آثار صحاح، منها ما رواه مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نودي للصّلاة؛ أدبر الشّيطان، وله ضراط؛ حتّى لا يسمع التّأذين... إلخ» الحديث. وفي الموطّأ عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ، ولا إنس، ولا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة». وغير ذلك كثير.

وأمّا مشروعية الأذان؛ فكانت برؤيا عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، وغيرهما من الصّحابة في المنام، ثمّ أيد ذلك الوحي بنزول هذه الآية الكريمة، والأذان مثنى مثنى بالاتّفاق، وأمّا الإقامة؛ فهي عند أبي حنيفة مثنى مثنى أيضا، وعند غيره بالإفراد، وإجابة المؤذن، والمقيم سنّة، فعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: أنّه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها منزلة من الجنّة، لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة؛ حلّت له الشّفاعة». رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.

تنبيه بل فائدة: ليس أشدّ على الكفار، والمنافقين من كلمات الأذان في كلّ زمان، ومكان، فهي أشدّ عليهم من وقع القنابل، وقذف الصّواريخ، فقد ذكر ابن إسحاق، وغيره في السّيرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا دخل مكّة عام الفتح، ومعه بلال، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يؤذّن على سطح الكعبة، وأبو سفيان، وعتّاب بن أسيد، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتّاب: لقد كرّم الله أسيدا (والده) ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم: أنّه محقّ؛ لاتّبعته. فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا، لو تكلمت؛ لأخبرت عنّي هذه الحصى. فخرج عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «قد علمت الّذي قلتم» ثمّ ذكر ذلك لهم. فقال الحارث، وعتّاب: نشهد: أنّك رسول الله، ما اطّلع على هذا أحد كان معنا، فنقول:

أخبرك!!.

<<  <  ج: ص:  >  >>