{صَلُّوهُ..}. إلخ. ومعنى:{وَلُعِنُوا بِما قالُوا:} عذّبوا بسبب ما قالوا. فمن لعنتهم: أنّهم مسخوا في الدنيا قردة، وخنازير، وضربت عليهم الذلّة، والمسكنة، والجزية، ولهم في الآخرة عذاب النّار، وانظر شرح اللّعن في الآية رقم [٥٢] من سورة (النّساء).
{بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ} يعني: أنّه تعالى جواد كريم. {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ} يعني: أنّه تعالى يرزق كما يريد، ويختار، فيوسع على من يشاء، ويقتّر على من يشاء، لا اعتراض عليه في ملكه، ولا فيما يفعله. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تبارك وتعالى:
أنفق أنفق عليك. وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحّاء اللّيل، والنّهار»، وقال:«أرأيتم ما أنفق منذ خلق السّماوات والأرض، فإنّه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان، يخفض، ويرفع». متّفق عليه، وهذا الحديث أحد أحاديث الصفات، فيجب الإيمان به، وإمراره كما جاء من غير تشبيه، ولا تكييف، وقال تعالى في سورة (لقمان): {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً}.
{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ..}. إلخ؛ يعني: كلّما نزلت عليك يا محمد آية من القرآن؛ كفروا بها، فازدادوا شدّة في كفرهم، وطغيانا مع طغيانهم. والمراد ب:«الكثير»: علماء اليهود، وحالهم، وشأنهم، كما يزداد المريض مرضا من تناول الغذاء الصّالح للأصحّاء. وإذا كان الكفر يزداد؛ فالإيمان يزيد، وينقص. انظر الآية رقم [٢] من سورة (الأنفال)، والآية رقم [١٢٦] من سورة (التوبة) تجد فيها ما يسرّك، ويثلج صدرك.
{وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ..}. إلخ؛ أي: ألقينا بين اليهود العداوة، والبغضاء، فكلمتهم مختلفة، وقلوبهم شتّى، لا يزالون متباغضين متعادين إلى قيام الساعة، وهم مذاهب مختلفة متناحرة، كما قال تعالى:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى،} فإنّ بعض اليهود جبرية، وبعضهم قدرية، وبعضهم مشبهة، وكذلك النّصارى فرق، ومذاهب، انظر الآية رقم [١٢٩] من سورة (الأنعام) فهو جيد، والحمد لله!.
{كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} أي: كلما أرادوا حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأثاروا شرّا عليه، وخالفوا حكم الله؛ بعث الله عليهم من يهلكهم: أفسدوا، فبعث الله عليهم بختنصر البابلي فسباهم، وشرّدهم، ثم أفسدوا، فبعث الله عليهم طيطوس الرّومي، فانتقم منهم، ثم أفسدوا فسلّط الله عليهم الفرس، فأذلّوهم، ثم أفسدوا فبعث الله عليهم المسلمين فقهروهم، وضربوا عليهم الجزية، وأخرجوهم من بلاد الحجاز في عهد عمر-رضي الله عنه-ولكن في هذه الأيام حيث اختلّت كلمة المسلمين، وتمزّقت وحدتهم؛ اتّحدوا، وتعاونوا، وأقاموا لهم دولة في عقر دار الإسلام بمساعدة النّصارى، كما هو الواقع في زمننا. هذا؛ و «إيقاد النار في الحرب» استعارة؛ لأنّ الحرب لا نار لها، وإنّما شبهت بالنّار؛ لأنّها تأكل أهلها، كما تأكل النّار حطبها.