وهذا هو الشاهد رقم [٥٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». وربما دخل فيه النّساء على سبيل التبع للرّجال، كما في إرسال الرسل لأقوامهم؛ إذ إن كل لفظ {يا قَوْمِ} في القرآن الكريم، إنما يراد به الرجال، والنّساء جميعا، كما هنا، وهو يذكر، ويؤنث، قال تعالى في غير ما آية:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} وتأنيثه باعتبار المعنى، وهو أنّهم أمّة، وطائفة، وجماعة، وسمّوا قوما؛ لأنهم يقومون مع داعيهم بالشّدائد، والمتاعب، إمّا بالمعاونة على كشفها، وإما بالمضايقة، والإيذاء إن عارضوا، وهذا حال أعداء الخير، والإصلاح في كلّ زمان ومكان.
{إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ:} استغنى بالجمع القليل عن الكثير، والكثير:«نفوس»، كما رأيت في الآية رقم [٩] وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلّة، والقليل موضع الكثرة، ويقال لكلّ من فعل فعلا قبيحا: إنما أسأت إلى نفسك. {بِاتِّخاذِكُمُ:} أصله: باوتخاذكم، فقلبت الواو تاء، وأدغمت في التاء، فهو مصدر: اتّخذ، يتّخذ. الأصل: اوتخذ، يوتخذ، قلبت الواو فيها تاء، وأدغمت في التاء. {فَتُوبُوا:} ارجعوا. وقيل: اعزموا على التوبة. قال سفيان بن عيينة-رضي الله عنه-: التوبة نعمة من الله أنعم بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم، وكانت توبة بني إسرائيل القتل.
{بارِئِكُمْ:} خالقكم، وبينهما فرق، وذلك: أن البارئ هو المبدع المحدث، والخالق هو المقدّر، الناقل من حال إلى حال. {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: ليقتل بعضكم بعضا، فقاموا صفين، وبيدهم الخناجر، والسيوف، فقتل بعضهم بعضا، لا يسأل والد عن ولده، ولا ولد عن والده، ولا أخ عن أخيه، كلّ من استقبله ضربه بالسيف، وضربه الآخر بمثله. وقيل: أمر من لم يعبد العجل أن يقتل العبدة. روي: أنّ الرجل منهم كان يلقى ابنه، أو أخاه، فلم يقدر على المضي لأمر الله، فأرسل الله عليهم ضبابة، أو سحابة، فجعلوا لا يعرف بعضهم بعضا، فأخذوا يقتلون من الغداة إلى العشي، حتى دعا موسى، وهارون، فانكشفت السّحابة، ووضع موسى التوراة التي أتى بها من جبل الطور، ونزلت توبتهم من السّماء، وكان القتلى سبعين ألفا، فكان ذلك شهادة للمقتول، وتوبة للحيّ.
{ذلِكُمْ:} أي: القتل، والخضوع لأمر الله، والانقياد لما يريد. {خَيْرٌ:} أفضل، وهو أفعل تفضيل، أصله: أخير، نقلت حركة الياء إلى الخاء؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم حذفت الهمزة استغناء عنها بحركة الخاء، ومثله قل في: حبّ، وشرّ اسمي تفضيل، إذ أصلهما أحبب، وأشرر، فنقلت حركة الباء الأولى، والراء الأولى إلى ما قبلهما، ثم أدغم الحرفان المتماثلان في بعضهما، ثم حذفت الهمزة من أولهما استغناء عنها بحركة الحاء، والشّين، وقد يستعمل خير، وشر على الأصل، كقراءة بعضهم قول الله تعالى في سورة (القمر):
(«سيعلمون غدا من الكذاب الأشرّ») بفتح الشين، ونحو قول رؤبة بن العجاج:[الرجز]
يا قاسم الخيرات وابن الأخير... ما ساسنا مثلك من مؤمّر