وصار في ذلك عنده، وعند بني إسرائيل أصلا مقررا، كما هو عندنا الآن معاشر أهل السنة: أن الله لا يرى في الدنيا، لأنه أخبر: أنّه لا يرى، والخبر واجب الصدق، وكما أنه أخبره أنه لا يرى في دار الدنيا، فقد وعد الوعد الصادق عز وجل برؤيته في الدار الآخرة، وتخصيص ذلك بالمؤمنين، وبعد استقرار هذا المعتقد طلب بنو إسرائيل الرؤية تعنّتا، أو شكّا في الخبر، فأنزل الله تعالى بهم العقوبة. وكيف تخيّل الزمخشري وشيعته: أنّ موسى عليه السّلام طلب من الله ما لا يجوز عليه، وهل هو لو كان الأمر على ما تخيّله إلا كبني إسرائيل؟! ومعاذ الله لقد برأه الله من ذلك، وكان عند الله وجيها! هذا وطلب رؤية الله في الدنيا ليست أول مفاسد بني إسرائيل، وجرائمهم، فقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن قيس بن عباد: أنّ بني إسرائيل قالت: ما مات فرعون، وما كان ليموت أبدا! قال: فلم يعد أن سمّع الله تكذيبهم نبيّه عليه السّلام، فرمى به على ساحل البحر، كأنه ثور أحمر يتراآه بنو إسرائيل، قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} رقم [٩٢] فلمّا اطمأنوا، وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون، حتى نقلوا كنوزه، وغرقوا في النّعمة؛ رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم {قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} فزجرهم موسى، وقال:{أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} الآيتان من سورة (الأعراف) رقم [١٣٨، ١٤٠].
ثمّ أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدّسة، التي كانت مساكن آبائهم، ويتطهروا من أرض فرعون، وكانت الأرض المقدّسة في أيدي الجبّارين، قد غلبوا عليها، فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال. فقالوا: أتريد أن تجعلنا لقمة للجبّارين، فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيرا لنا؟! قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه السّلام:{يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} إلى قوله:
{قاعِدُونَ} سورة (المائدة) رقم [٢١] وما بعدها؛ حتى دعا الله عليهم، وسمّاهم فاسقين فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة لهم، قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [٢٦]: {قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ}.
ثمّ رحمهم الله، فمنّ عليهم بالمنّ، والسّلوى، والغمام، انظر الآية رقم [٥٧] الآتية، ثمّ سار موسى إلى طور سيناء ليجيئهم بالتّوراة، فاتّخذوا العجل، كما رأيت في الآية رقم [٥١] ثم قيل لهم: قد وصلتم إلى بيت المقدس، فادخلوا الباب سجّدا، وقولوا: حطّة، الآية رقم [٥٨] الآتية، وكان موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-شديد الحياء ستّيرا، فقالوا:
إنه آدر، فلما اغتسل وضع على الحجر ثوبه، فعدا به الحجر إلى مجالس بني إسرائيل، وموسى على أثره عريان؛ وهو يقول: يا حجر ثوبي، فذلك قوله تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٦٩]:
ثمّ لما مات هارون في التيه. قالوا له: أنت قتلت هارون، وحسدته، حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميّت عليه. انظر ما ذكرته في آية المائدة رقم [٢٦]. ثمّ سألوه أن يعلموا آية في