رحمه الله تعالى. وقيل: الحلف على ما يظن: أنه كذلك، ولم يكن. وإليه ذهب أبو حنيفة، رحمه الله تعالى. {أَيْمانِكُمْ:} جمع يمين، والمراد به الحلف بالله، أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه. واليمين أيضا: اليد اليمنى، وتجمع أيضا على (أيمان)، كما في قوله تعالى:{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} وهو كثير في القرآن الكريم، وانظره بكسر الهمزة في الآية رقم [٦٩]. {عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ:} تعمدتم، وقصدتم به اليمين، وتعقيد {الْأَيْمانَ:} توثيقها، قال الفرزدق:[الطويل]
ولست بمأخوذ بلغو تقوله... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم
أي إذا لم توثق، وتعمد. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة البقرة رقم [٢٢٤] بدل هذه الجملة:
{بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ومعناه: قصدت {قُلُوبُكُمْ}. {إِذا حَلَفْتُمْ} وإن كان كذبا، وبه ضياع حق، فهو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار. وقرئ:«عقدتم» بتشديد القاف وتخفيفها، كما قرئ: «(عاقدتم)». {فَكَفّارَتُهُ} أي: كفارة نكثه، أو فكفارة معقود {الْأَيْمانَ،} والكفارة:
الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أي: تسترها، أو تمحوها، وهو معنى:{لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} و {كَفّارَةُ} اليمين كما ترى في الآية الكريمة مخيرة ابتداء، ومرتبة انتهاء، وتفسير الأول أن الحانث في يمينه مخير في الكفارة بين:{إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ}{أَوْ كِسْوَتُهُمْ،} أو إعتاق عبد، أو عبدة، وقد ذكر سبحانه وتعالى: أن الإطعام يكون من الوسط، لا من الفاخر العالي، ولا من الوضيع الداني، ولكل زمان، ومكان حكمهما، فلذا فإن إعطاء مد قمح للمسكين في هذه الأيام لا يكون من وسط الإطعام، والطعام، وإذا أراد الحانث في يمينه تبرئة ذمته فما عليه إلا أن يعطي المساكين نقودا تكفي لغدائه، أو لعشائه وجبة واحدة من الوسط. وعند أبي حنيفة: وجبتين، أي: غداء، وعشاء. وعند الشافعي لا يكفي إطعام مسكين ولو في عشرة أيام خلافا لأبي حنيفة أيضا، ولو صنع في بيته طعاما من الوسط، ودعا عشرة مساكين إليه، وأشبعهم تبرأ ذمته، كما أن الكسوة تكون من الوسط، والكسوة ثوب يغطي العورة. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (قميص، وإزار، ورداء) وهي بكسر الكاف وقد تضم، وهل يعادل مد القمح في هذه الأيام شيئا من الكسوة، وأين هو من إعتاق الرقيق، بل وهل يعادل صيام يوم من الأيام، بل الثلاثة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أو إعتاق عبد مملوك، وشرط فيه الشافعي الإيمان، قياسا على كفارة القتل، فإن لم يجد المكلف أحد الأشياء الثلاثة المذكورة، أو لم يقدر على واحد منها لفقره يصوم ثلاثة أيام، يجوز عندنا تفريقها، وتتابعها، وشرط أبو حنيفة التتابع؛ لأنه قرئ في الشواذ من القراءات (ثلاثة أيام متتابعات). هذا؛ ولفظ (عشرة) هو على عكس المعدود في التذكير، والتأنيث إن كان مفردا. وعلى وفقه إن كان مركبا، تقول: عشرة رجال، وعشر نسوة، وخمسة عشر رجلا، وخمس عشرة امرأة. وشينه تسكن مع المؤنث، وهي لغة أهل الحجاز، وقد تكسر وهي لغة أهل نجد، وقرئ بهما، وبالفتح أيضا، وهي لغة ثالثة.