للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وفي سورة (الأعراف): {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ} والقائل لهم موسى قبل أن يموت في التيه، أي: قال لهم: إذا خرجتم من التيه. أو القائل لهم هو يوشع، وهذا كان لما خرجوا من التيه، وقد أكد ابن كثير: أنّ القائل لهم هو موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وأنّ القرية إنّما هي بيت المقدس. وقال آخرون: هي أريحا، وأن القائل هو يوشع، هذا وإذا تأملنا قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٢١]: {يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} وعرفنا عنادهم، وعصيانهم، وأنّ ذلك كان سببا لتيههم أربعين سنة، وهذا كان في حياة موسى، وبعد نجاة بني إسرائيل قطعا؛ تبيّن لنا: أنّ القائل لهم إنّما هو يوشع بلا شكّ، ودليل ذلك: أنهم لم يدخلوا القرية في عهد موسى، ولم يقولوا غير الذي قيل لهم. وهذا الذي أرتئيه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه! يبقى الاختلاف في القرية التي قال لهم يوشع: ادخلوا أو اسكنوا؛ هل هي بيت المقدس أو أريحاء؟.

هذا و {الْقَرْيَةَ} اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة، وغيرها، كيف لا؟ وقد جعل الله مكة المكرمة أم القرى في قوله تعالى في الآية رقم [٩٢] من سورة (الأنعام): {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها} كما تطلق على الضّيعة الصغيرة، وهي مأخوذة من: قريت الماء في المكان: جمعته، وفي القاموس المحيط: القرية بكسر القاف، وفتحها، والنسبة إليها قروي، وقريي. والفتح أقوى.

{فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ:} الأمر للإباحة مثل الآية السابقة. {رَغَداً:} انظر الآية رقم [٣٥] فالبحث فيها واف كاف. {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً:} منحنين متواضعين: كالراكع، ولم يرد به السّجود الشّرعي بوضع الجبهة على الأرض، هذا وجمع {الْبابَ:} أبواب، وقد يجمع على أبوبة للازدواج، قال الشاعر: [البسيط]

هتّاك أخبية، ولّاج أبوبة... يخلط بالبرّ منه الجدّ واللّينا

{وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي: حطّ عنا ذنوبنا. قال سعيد بن جبير-رحمه الله-: معناه الاستغفار.

وقال أبان بن تغلب: معناه التوبة. قال الشاعر: [الخفيف]

فاز بالحطّة الّتي جعل الل‍... هـ بها ذنب عبده مغفورا

وقال ابن فارس في المجمل: {حِطَّةٌ:} كلمة أمر بها بنو إسرائيل، لو قالوها؛ لحطّ أوزارهم. وقاله الجوهري في الصّحاح. وانظر الحديث في الآية التالية. {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ:}

قال الفرّاء: جمع خطيّة بلا همز، كما تقول: هديّة، وهدايا، فهو جمع تكسير، وأصل خطية:

خطيئة، فقلبت الهمزة ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار: خطيّة. هذا؛ وقرئ بسورة (الأعراف): «خطيئتكم» وقرئ بسورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:

«خطيئتكم» على أنها جمع خطيئة، فهما جمع تصحيح مثل: صحائف، وصحيفة، وأصله:

<<  <  ج: ص:  >  >>