للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربّي كريم، لا يكدّر نعمة... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا

كما يقال: ربّ الدار، وربّ الأسرة، أي: مالكها، ومتولي شئونها، كما يراد به المربّي، والمصلح، يقال: ربّ فلان الضيعة، يربّها: إذا أصلحها، والله ربّ العالمين: مالكهم، ومربّيهم، وموصلهم إلى كمالهم شيئا فشيئا، بجعل النطفة علقة، ثم بجعل العلقة مضغة، ثم بجعل المضغة عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يصوره، ويجعل فيه الروح، ثم يخرجه خلقا، وهو صغير ضعيف، فلا يزال ينميه، وينشيه حتى يجعله رجلا أو امرأة كاملين. هذا ولا يطلق لفظ الرّبّ على غير الله تعالى إلا مقيدا بالإضافة، مثل قولك: رب الدار، ورب الناقة، ونحو ذلك، وقد قالوه في الجاهلية للملك، قال الحارث بن حلّزة في معلّقته رقم [٣٩]: [الخفيف]

وهو الربّ والشّهيد على يو... م الحيارين والبلاء بلاء

والربّ: المعبود بحق، وهو المراد منه عند الإطلاق، ومنه قول راشد بن عبد ربه السّلمي الصّحابي-رضي الله عنه-وهو الشاهد رقم [١٥٧] من كتابنا فتح القريب: [الطويل]

أربّ يبول الثّعلبان برأسه؟! ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب

ولا يجمع إذا كان بهذا المعنى، ويجمع إذا كان معبودا بالباطل، قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام لصاحبي السّجن: {أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ} كما يجمع إذا كان بأحد المعاني السّابقة قال الشاعر: [الطويل]

هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم... وللآكلين التّمر مخمس مخمسا

وهو اسم فاعل بجميع معانيه السّابقة، أصله: رابب، ثم خفف بحذف الألف، وإدخال أحد المثلين في الآخر.

{الْعالَمِينَ:} جمع عالم بفتح اللام، وجمع لاختلاف أنواعه، وهو جواب عمّا يقال:

إنّه اسم جنس يصدق على كل ما سوى الله، والجمع لا بد أن يكون له أفراد ثلاثة، فأكثر، وجمع بالياء والنون تغليبا للعقلاء على غيرهم، وهو يقال لكل ما سوى الله، ويدلّ له قوله تعالى حكاية عن قول موسى-على نبينا وعليه أفضل الصّلاة، وأتم التسليم-لمّا قال له فرعون: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} {قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ،} هذا والعوالم كثيرة لا تحصيها الأرقام، وهي منتشرة في هذا الكون المترامي الأطراف في البرّ، والبحر؛ إذ كل جنس من المخلوقات يقال له: عالم، ولا واحد له من لفظه، مثل: رهط، وقوم.

وقال مقاتل: العالمون ثمانون ألف عالم، أربعون ألف عالم في البر، وأربعون ألف عالم في البحر، انتهى. وجمع جمع المذكر السالم، وذلك بتغليب من يعقل على ما لا يعقل، والعالم مشتق من العلامة؛ لأنه دالّ على وجود خالقه، وصانعه، وعلى وحدانيته جلّ، وعلا، كما قال ابن المعتز: [المتقارب]

<<  <  ج: ص:  >  >>