للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى،} وذكر كثيرون للعصا منافع كثيرة، منهم ابن عباس-رضي الله عنهما-، فقال: إذا انتهيت إلى رأس بئر، فقصر الرّشاء؛ وصلته بالعصا. وإذا أصابني حرّ الشمس غرزتها في الأرض، وألقيت عليها ما يظلّني. وإذا خفت شيئا من هوامّ الأرض قتلته بها. وإذا مشيت؛ ألقيتها على عاتقي، وعلّقت عليها القوس، والكنانة، والمخلاة، وأقاتل بها السّباع عن الغنم. هذا ومن فوائد العصا: أنّ الرّجل إذا كبر، وشاخ يعتمد عليها في مشيته، قال عمرو بن أحمد الباهليّ، وهو الشاهد رقم [٩٨٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني... ثوبي فأنهض نهض الشّارب السّكر

وكنت أمشي على رجلين معتدلا... فصرت أمشي على أخرى من الشّجر

ومن فوائدها: التنبيه على الانتقال من هذه الدّار، كما قيل لبعض الزّهاد: مالك تمشي على العصا، ولست بكبير، ولا مريض؟ قال: إنّي أعلم أنّي مسافر، وأنّها دار قلعة، وأنّ العصا آلة السّفر، فأخذه بعض الشّعراء، فقال: [الطويل]

حملت العصا لا الضّعف أوجب حملها... عليّ ولا أني تحنيت من كبر

ولكنّني ألزمت نفسي حملها... لأعلمها أنّ المقيم على سفر

هذا وأما العين؛ فإنها تطلق على الماء الجاري، والنابع من الأرض، وجمعها في القلّة:

أعين، وفي الكثرة: عيون، قال تعالى في سورة (الذاريات) وغيرها: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ} وتجمع أيضا على: أعيان، وهذا غير مشهور، وقليل الاستعمال، كما تطلق على الجاسوس، كما في قولك: بث الأمير عيونه في المدينة، أي: جواسيسه، كما تطلق على ذات الشخص، كما في قولك: جاء خالد عينه، وتطلق على الشّمس. وعين الشيء: خياره. وتطلق على النّقد من ذهب، وغيره، وإليك قول الشاعر: [البسيط]

واستخدموا العين منّي وهي جارية... وقد سمحت بها أيام وصلهمو

فالمراد بالعين: نفسه وذاته، والمراد بجارية: عينه الباصرة، التي تجري بالدمع، والمراد بقوله (بها) نقد الذهب، وهذا يسمى في فن البديع استخداما، وتطلق العين على أشياء كثيرة أيضا، وعلى المطر الهاطل من السحاب، قال عنترة في معلقته رقم [٢٩] وهو الشاهد رقم [٣٥٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الكامل]

جادت عليه كلّ عين ثرّة... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم

هذا؛ وأعيان القوم: أشرافهم، وبنو الأعيان: الإخوة من الأبوين. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>