للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسل، وذلك من عظائم رحمته، وجلائل نعمته. {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى:} وهو التوراة. {تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً} أي: تجعلون التوراة أجزاء أجزاء، تكتبونها في دفاتر مقطعة، تظهرونها للناس، فيها ما تحبون إظهاره، وتخفون كثيرا مما فيها كنعت محمد صلّى الله عليه وسلّم.

هذا؛ وتقرأ الأفعال الثلاثة بالياء، والتاء. {وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ} أي: علمتم أشياء لم تكونوا تعلمونها، أنتم ولا أسلافكم، علمتموها من القرآن الكريم، ولم تنص التوراة عليها، فقد بين القرآن ما التبس عليكم، وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم. ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}. {قُلِ اللهُ} أي: أنزله الله. {ذَرْهُمْ:}

دعهم، واتركهم. وهذا الفعل قد أميت ماضيه، انظر الآية رقم [٧/ ٧٠]. {فِي خَوْضِهِمْ:} في باطلهم، وطغيانهم، وانظر الآية رقم [٦٨]. {يَلْعَبُونَ:} يهزءون ويسخرون. وانظر الآية رقم [٣٢].

{اللهَ:} انظر «الاستعاذة». {قالُوا:} انظر «القول» في الآية رقم [٧/ ٤]. {أَنْزَلَ:} انظر الآية رقم [٥/ ٤٩]. {بَشَرٍ:} يطلق هذا اللفظ على الإنسان ذكرا كان أو أنثى، مفردا وجمعا، مثل كلمة «الفلك» تطلق على المفرد والجمع، وسمي بنو آدم بشرا لبدو بشرتهم، وهي ظاهر الجلد، بخلاف أكثر المخلوقات، فإنها مكسوة بالشعر، أو الصوف، أو الريش. {شَيْءٍ:} انظر الآية رقم [٥/ ١٩]. {الْكِتابَ:} المراد به هنا التوراة، وانظر الآية رقم [٧/ ٢] لشرحه. {جاءَ:}

انظر الآية رقم [٥]. {مُوسى:} هو في الأصل موشى بالشين، مركب من اسمين: الماء، والشجر فالماء يقال له في العبرانية (مو) والشجر يقال له (شا) فعربته العرب، وقالوا: موسى بالسين، وسبب تسميته بذلك أن امرأة فرعون التقطته من نهر النيل بين الماء والشجر، لما رمته أمه فيه، كما هو مذكور في سورة (طه) و (القصص). {وَهُدىً:} أصله هديا، بضم الهاء، وفتح الدال، وتحريك الياء منونة، فقلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الألف والتنوين، الذي يرسم ألفا في حالة النصب بحسب الأصل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار (هدى)، وإنما أتوا بياء أخرى لتدل على الياء المحذوفة الأصلية، بخلاف ما إذا لم يأتوا بها، وقالوا (هدا) فلا يوجد ما يدل عليها. {لِلنّاسِ:} انظر الآية رقم [٥/ ٣٢]. {قَراطِيسَ:}

جمع: قرطاس، وهو الورق الذي يكتب فيه.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة في اليهود، أي: علمائهم، فقد ورد: أن مالك بن الصيف جاء يخاصم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال له النبي: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد فيها:

أن الله تعالى يبغض الحبر السمين، أي: العالم الجسيم، وكان مالك المذكور كذلك، فقال:

نعم، وكان يحب إخفاء ذلك، لكن أقر لإقسام النبي عليه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أنت حبر سمين، أي أنت مبغوض، فغضب، وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال أصحابه الذين كانوا معه: ويحك، ولا على موسى، فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فلما سمعت اليهود تلك المقالة؛ عتبوا عليه، وقالوا: أليس الله أنزل التوراة على موسى، فلم قلت هذا؟! قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>