للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والمراد ب‍ {الَّذِينَ آمَنُوا} الّذين آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: هم الذين آمنوا بالأنبياء السابقين قبل بعثته. وقال سفيان الثّوري: المراد: المنافقون، كأنّه قال: الذين آمنوا في ظاهرهم، فلذلك قرنهم باليهود، والنصارى، والصابئين، ثم بيّن حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم.

{وَالَّذِينَ هادُوا:} هم اليهود سمّوا بذلك لمّا تابوا من عبادة العجل، من: «هاد» بمعنى:

تاب، ورجع، ومنه قوله تعالى حكاية عن قولهم: {إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ} الآية رقم [١٥٦] من سورة (الأعراف)، أو سمّوا بذلك نسبة إلى يهودا بن يعقوب، وهو أكبر أولاده. ({النَّصارى}) جمع نصراني، سمّوا بذلك لأنّهم نصروا عيسى عليه السّلام، أو لأنهم كانوا معه في قرية يقال لها:

نصران، أو ناصرة، فسمّوا باسمها، أو باسم من أسّسها، والأنثى نصرانة، كندمانة، قال أبو الأخزر الحماني في وصف ناقتين: [الطويل]

فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها... كما أسجدت نصرانة لم تحنّف

قال سيبويه: لا يستعمل نصران، ونصرانة إلا مع ياء النّسب، فيقال: نصراني، ونصرانيّة.

وقيل: سموا بذلك لقوله تعالى حكاية عن قول عيسى في آخر سورة (الصّف): {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ،} وأيضا في (آل عمران) رقم [٥٢]. ({الصّابِئِينَ}) وقرأ نافع: («الصابين») بدون همز، جمع صابئ، واختلف فيهم، وأظهر الأقوال قول مجاهد، ومتابعيه، ووهب بن منبه: إنّهم قوم ليسوا على دين اليهود، ولا النّصارى، ولا المجوس، ولا المشركين، إنّما هم قوم باقون على فطرتهم، ولا دين لهم مقرّر يتّبعونه، ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبذون من أسلم بالصّابئ؛ أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك. وقال عبد الرحمن بن زيد-رحمه الله تعالى-:

الصابئون: أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل، يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل، ولا كتاب، ولا نبيّ، إلا قول: لا إله إلا الله. انتهى. مختصر ابن كثير بتصرف.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهم-: لا تحلّ ذبائحهم، ولا مناكحتهم. وقيل: هم قوم بين اليهود والمجوس، لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم. وقيل: هم قوم بين اليهود، والنصارى يحلقون أوساط رءوسهم، وهم الذين أمر أبو بكر الصدّيق-رضي الله عنه-جيشه بقتلهم أينما وجدوا، وذلك في وصيته المعروفة المسطورة.

{مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:} قال الخازن رحمه الله تعالى: فإن قلت: كيف قال في أول الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} وقال في آخرها: {مَنْ آمَنَ بِاللهِ} فما فائدة التعميم أولا، ثمّ التخصيص آخرا؟ قلت: اختلف العلماء في حكم الآية، فلهم فيه طريقان: أحدهما: أنه أراد: إنّ الذين آمنوا على التّحقيق. ثمّ اختلفوا فيهم. فقيل: هم الذين آمنوا في زمن الفترة، وهم طلاب الدّين، مثل: حبيب النّجار، وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وبحيرا الرّاهب، وأبي ذرّ الغفاري،

<<  <  ج: ص:  >  >>