وسلمان الفارسي، فمنهم من أدرك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومنهم من لم يدركه، فكأنه تعالى قال: إنّ الذين آمنوا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم، والذين كانوا على الدّين الباطل المبدل من اليهود، والنصارى، والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر، وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فلهم أجرهم عند ربهم.
وأمّا الطريقة الثانية: فقالوا: إنّ المذكورين بالإيمان في أوّل الآية إنّما هو على طريقة المجاز دون الحقيقة، وهم الذين آمنوا بالأنبياء الماضين، ولم يؤمنوا بك. وقيل: هم المنافقون الذين آمنوا بألسنتهم، ولم يؤمنوا بقلوبهم، واليهود، والنصارى، والصابئين، فكأنه تعالى قال:
هؤلاء المطلوبون كلّ من آمن منهم الإيمان الحقيقي صار مؤمنا عند الله. انتهى. خازن.
هذا وفي عطف العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة وغيرها إيحاء بأنّ العمل الصالح قرين الإيمان، وقد لا يجدي الإيمان بلا عمل، وهو ما أفاده قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه». كما أنّ الإيمان مشروط لقبول العمل الصالح، وهذا يسمّى في فن البديع احتراسا. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها. {آمَنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. {وَالَّذِينَ هادُوا:} معطوف على ما قبله، وهو مثله في إعرابه. {وَالنَّصارى:} معطوف على اسم {إِنَّ} منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدّرة على الألف للتعذر. {وَالصّابِئِينَ:} معطوف على اسم {إِنَّ} أيضا منصوب، وعلامة نصبه الياء
إلخ. {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {آمَنَ} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى {مَنْ} تقديره: هو، وهناك محذوف تقديره: منهم. {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَالْيَوْمِ:} معطوف على لفظ الجلالة. {الْآخِرِ} صفته. {وَعَمِلَ صالِحاً:} هذه الجملة معطوفة على ما قبلها. {فَلَهُمْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (لهم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَجْرُهُمْ:} مبتدأ مؤخر، والهاء في محل جر بالإضافة. {عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق ب {أَجْرُهُمْ} لأنه مصدر. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون في موضع الحال من المبتدأ، والتقدير: فلهم أجرهم ثابتا عند ربهم. وهو غير مسلّم له؛ لأن مجيء الحال من المبتدأ لا يجيزه كثير من النّحاة، وعلى رأسهم سيبويه؛ لأن الحال تبين هيئة الفاعل، أو المفعول، و {عِنْدَ} مضاف، و {رَبِّهِمْ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية:(لهم أجرهم) في محل جزم جواب الشرط. وخبر المبتدأ الذي هو {مَنْ} مختلف فيه. فقيل: هو جملة الشرط، وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجّح لدى المعاصرين.
هذا؛ وإن اعتبرت {مَنْ} اسما موصولا، فهي مبتدأ، وجملة:{آمَنَ} صلته، والعائد محذوف، التقدير: من آمن منهم... إلخ، والجملة الاسمية:(لهم أجرهم) في محل رفع خبره،