قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور». هذا؛ والريح: الهواء المسخر بين السماء، والأرض، وأصله: الروح، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع: أرواح، ورياح، وأصل رياح: رواح، فعل به كما فعل بأصل الريح، والأكثر في الريح التأنيث، وقد تذكر على معنى الهواء قال تعالى: {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ،} ولا تنس: أن الريح تفسر بالدولة والقوة، قال تعالى: {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي: دولتكم، وقوتكم، شبهت في نفوذ أمرها، وتمشيه بالريح وهبوبها. ويقال: هبت رياح بني فلان: إذا دالت الدولة لهم، ونفذ أمرهم.
{بُشْراً:} جمع: بشير، وهو بضم الباء، وسكون الشين، ويقرأ بضمتين. انظر ما ذكرته في {رُسُلٌ} في الآية رقم [٣٥]. هذا؛ ويقرأ: «(نشرا)» بضم النون، وضم الشين، وسكونها على أنه جمع: نشور بمعنى: ناشر، كطهور بمعنى: طاهر، ويجوز أن يكون جمع: نشور بمعنى:
منشور، ويقرأ: «(نشرا)» بفتح النون وسكون الشين، على أنه مصدر نشر بعد الطي، والقراءات كلها سبعية، كما يقرأ: «(بشرى)» على وزن: حبلى، أي: ذات بشارة، وكما يقرأ: «(بشرا)» بفتح الباء، وسكون الشين، وهو مصدر: بشرته إذا بشرته.
وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: (إن الرياح ثمان: أربع منها عذاب، وهي:
القاصف، والعاصف، والصرصر، والعقيم. وأربع منها رحمة، وهي: الناشرات، والمبشرات، والمرسلات والذاريات). {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ:} يعني أمام المطر الذي هو رحمته، وإنما سماه رحمة؛ لأنه سبب لحياة الأرض. هذا؛ و {بَيْنَ يَدَيْ} بمعنى: أمام، وقدام، مستعمل في القرآن الكريم بكثرة، وخذ ما يأتي فعن أبي: هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«الريح من روح الله تعالى، تأتي بالرّحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها؛ فلا تسبّوها، واسألوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرّها». رواه الشافعي بطوله، وأخرجه أبو داود في المسند عنه.
{أَقَلَّتْ:} حملت، ورفعت. {سَحاباً ثِقالاً} أي: بالماء لثقله، والسحاب: الغيم، جمع: سحابة مشتق من السحب؛ لأنه يجر بعضه بعضا. {سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ:} جلت قدرة الله، فالريح تسوق الغيوم بأمره إلى حيث شاء. انظر آية (النور) رقم [٤٣] ففيها تفصيل لذلك.
هذا؛ وقد حصل في الكلام التفات من الغيبة إلى جمع المتكلم، انظر الآية رقم [٦/ ٦] وانظر (نا) في الآية رقم [٧] ومعنى {لِبَلَدٍ مَيِّتٍ:} لسقيه وإحيائه بالمطر. وقد ذكر سبحانه في كثير من الآيات: أن المطر يحيي الأرض الميتة؛ أي التي لا نبات فيها بالنبات. هذا؛ وقال الليث: البلد كل موضع من الأرض، عامر، أو غير عامر، خال، أو مسكون، والطائفة منها بلدة، والجمع:
بلاد، زاد غيره: والمفازة تسمى بلدة؛ لكونها مسكن الوحش، والجن. قال الأعشى: [البسيط]
وبلدة مثل ظهر التّرس موحشة... للجنّ بالليل في حافاتها زجل
وقال جران العود: [الرجز]
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلاّ العيس