للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفع الإشكال عن شعيب في الآية السابقة. {وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها} أي: لا ينبغي، ولا يحق لنا أن نرجع في ملتكم، أو نصير فيها وهو كما في الآية السابقة. {إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا} أي:

إلا بمشيئة الله وإرادته، ونرجو أن لا يعيدنا إلى ملتكم المعوجة.

هذا، وماضي: {يَشاءَ:} شاء، ولم يرد له، ولا ل‍ «أراد يريد» أمر فيما أعلم، فهما ناقصا التصرف، وأصل شاء: شيء على وزن فعل بكسر العين، بدليل قولك شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقد كثر حذف مفعوله، ومفعول: «أراد» حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} وقال الشاعر الخريجي: [الطويل]

فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع

وقيد بعضهم حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو»، وليس كذلك. {اللهِ:} انظر الآية رقم [٨٧]. {رَبُّنا:} انظر الآية رقم [٣]. {وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} أي: إن الله بكل شيء عليم، فلا يصيب عبدا شيء من ضر، أو نفع إلا بعلمه، وتقديره، ومشيئته، وأحاط علمه بكل شيء مما كان ومما يكون إلى يوم القيامة. وانظر شرح: {شَيْءٍ} في الآية رقم [٨٥]. {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا:}

اعتمدنا في أن يثبتنا على الإيمان، ويبعدنا عن الفسوق، والعصيان، ويكفينا شر الأشرار. {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ:} ربنا احكم بيننا وبينهم، والفتاح: القاضي، والفتاحة: الحكومة.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما كنت أدري ما معنى قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا..}. إلخ حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعال أفاتحك، يعني: أقاضيك. وهذا قول قتادة، والسدي، وابن جريج، وجمهور المفسرين: أن الفاتح هو القاضي، والحاكم، سمي بذلك؛ لأن يفتح إغلاق الإشكال بين الخصوم، ويفصلها.

وقال الزجاج: وجائز أن يكون معناه: ربنا أظهر أمرنا؛ حتى ينفتح بيننا وبين قومنا، وينكشف، والمراد منه: أن نزّل عليهم عذابا يدل على كونهم مبطلين، وعلى كون شعيب والمؤمنين معه محقين، وعلى هذا الوجه فالفتح يراد به الكشف، والتمييز. انتهى خازن.

وهذا الكلام إنما قاله شعيب-على نبينا وعليه أفضل صلاة، وأتم تسليم-حينما أيس من إيمان قومه. وما ذكره الله في هذه الآية من قول شعيب، إنما هو استسلام لمشيئة الله تعالى، ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة، وانقلاب الأمر، ألا ترى إلى قول الخليل-عليه الصلاة والسّلام-: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} وكان سيد الرسل صلّى الله عليه وسلّم كثيرا ما يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». بعد هذا انظر شرح: {بِالْحَقِّ} في الآية رقم [٣٣] وشرح:

{خَيْرُ} في الآية رقم [١٢] وانظر: (بين) في الآية رقم [٩٤] من سورة (الأنعام).

<<  <  ج: ص:  >  >>