للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزّنى، والغيبة، والنّميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، وسبب في شهادة الزّور، وارتكاب الفجور، وشرب الخمر، ولعب القمار، ومخالفة الجبّار، بل إنّي أقول: إن قسوة القلب سبب في كلّ معصية، وبلاء، وقد رأيت كيف ذمّ الله اليهود، وذوي القلوب الغافلة القاسية.

ولقائل أن يقول: ما هي أسباب قسوة القلب حتى نجتنبها؟ فأذكر بعضا منها على سبيل الاختصار:

فأقول وبالله التوفيق: منها: أكل الحرام، فإنّ الشخص الذي لا يبالي من أين أكل: من الحلال، أم من الحرام؛ تخبث نفسه، ويقسو قلبه، وتفحش أعماله، وتسوء أخلاقه. ومنها:

اتباع الهوى، والانقياد للشّيطان الرّجيم، فإنّ الشخص الذي يسلسل لنفسه قيادها، تجرّه إلى المهالك، والذي ينقاد إلى شيطانه يأمره بكل شرّ، وينهاه عن كلّ خير، ورحم الله البوصيري؛ إذ يقول: [البسيط]

وخالف النّفس والشّيطان واعصهما... وإن هما محّضاك النّصح فاتّهم

ولا تطع منهما خصما ولا حكما... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

ومنها: كثرة الشّغف بالمجادلة، والمخاصمة بالباطل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل». ثمّ قرأ: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً}. رواه الترمذيّ، وابن ماجة عن أبي هريرة، رضي الله عنه. والمراء يقسي القلوب، ويورث الضغائن. ومنها:

الغفلة عن ذكر الله تعالى، وعدم مراقبته في السرّ، والعلن، والإعراض عن واجبات الله كالصّلاة، وغيرها، فإنّ الشّخص الذي يعرض عن الله يعرض الله عنه، ويكله إلى شيطانه مصداقا لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} رقم [٣٦] من سورة (الزخرف).

ومنها: كثرة الكلام فيما لا يعني، والخوض في الباطل، فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي». أخرجه الترمذي.

ومنها: الانغماس في الشّهوات، والملذّات، والإغراق في التّرف، والنّعم، وكثرة الأكل، والشرب، قال بعض العلماء: من كثر أكله؛ كثر شربه، ومن كثر شربه؛ كثر نومه، ومن كثر نومه؛ كثر تخمه، ومن كثر تخمه؛ قسا قلبه، ومن قسا قلبه؛ غرق في الآثام، ومن غرق في الآثام؛ فالنار أولى به! ورحم الله تعالى من يقول: [الطويل]

يميت الطعام القلب إن زاد كثرة... كزرع إذا بالماء قد زاد سقيه

وإنّ لبيبا يرتضي نقص عقله... بأكل لقيمات لقد ضلّ سعيه

<<  <  ج: ص:  >  >>