{يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ:} المراد به التوراة التي أنزلها الله على موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وقال الربيع، وابن إسحاق: المراد: السّبعون الذين اختارهم موسى للاعتذار عن عبادة بني إسرائيل العجل، فسمعوا كلام الله، فلم يمتثلوا أمره، وحرّفوا القول في إخبارهم لقومهم. وهذا ضعيف جدّا، والمعتمد الأوّل، ويؤيده قوله تعالى:{ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}.
قال مجاهد، والسّدّي: هم علماء اليهود؛ الّذين يحرفون التوراة، فيجعلون الحرام حلالا، والحلال حراما اتّباعا لأهوائهم. وأيضا حرّفوا ما فيها من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحرّفوا آية الرّجم، ويفسّرون التوراة بما يشتهون، ففي صفات النبي صلّى الله عليه وسلّم كتبوا بدل «أكحل العين، ربعة، أجعد الشعر، حسن الوجه»: أزرق العين، سبط الشّعر، طويلا... إلخ.
هذا؛ والفعل (يسمع) من الأفعال الصّوتية، إن تعلق بالأصوات؛ تعدّى إلى مفعول واحد، وإن تعلق بالذّوات تعدّى إلى اثنين، الثاني منهما جملة فعلية مصدّرة بمضارع من الأفعال الصّوتية، مثل قولك: سمعت فلانا يقول كذا، وهذا اختيار الفارسي. واختار ابن مالك، ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محلّ نصب حال؛ إن كان المتقدّم معرفة؛ مثل قولك: سمعت زيدا يقول كذا، وصفة؛ إن كان نكرة، مثل قولك: سمعت رجلا يقول كذا.
هذا؛ والكلام بالنسبة إلى البشر يدلّ على أحد ثلاثة أمور:
أولها: الحدث الذي يدل عليه لفظ التكليم، تقول: أعجبني كلامك زيدا. تريد: تكلّمك إيّاه. وقال الشاعر:[البسيط]
قالوا: كلامك هندا وهي مصغية... يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا
وثانيها: ما يدور في النّفس من هواجس، وخواطر، وكلّ ما يعبّر عنه اللفظ لإفادة السّامع ما قام بنفس المخاطب، فيسمّى هذا الذي تخيلته في نفسك كلاما في اللغة العربية، تأمل في قول الأخطل التغلبي:[الكامل]
لا يعجبنّك من خطيب خطبة... حتّى يكون مع الكلام أصيلا
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما... جعل اللّسان على الفؤاد دليلا
ثالثها: كلّ ما تحصل به الفائدة، سواء أكان ما حصلت به لفظا، أو خطّا، أو إشارة، أو دلالة حال. انظر إلى قول العرب:(القلم أحد اللّسانين)، وانظر إلى تسمية المسلمين ما بين دفتي المصحف:(كلام الله)، ثم انظر إلى قوله تعالى في هذه الآية:{يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ} وقال جلّ شأنه في سورة (التوبة) رقم [٦]: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} وإلى كلمته جلّت حكمته في سورة (آل عمران) رقم [٤١]: {قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً} ثم انظر إلى قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي الّذي نفى الكلام اللّفظي عن محبوبته، وأثبت لعينها القول، وذلك في قوله:[الطويل]