للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي: برحبها: بسعتها، لا تجدون فيها مقرّا تطمئن إليه نفوسكم، من شدة الرعب، خذ قول الشاعر: [الطويل]

كأنّ بلاد الله، وهي عريضة... على الخائف الطّلوب كفّة حابل

هذا؛ و (الرحب) بالضم: السعة، وهو بفتح الراء الواسع، والفعل (رحب) من باب ظرف.

{وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} أي: منهزمين أعطيتم ظهوركم لأعدائكم.

تنبيه: الآية الكريمة، وما بعدها متعلقتان بغزوة حنين، وقد حصلت هذه الحرب مع قبيلة هوازن، وساعدهم بنو ثقيف بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وتسليم مقاليدها للرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإن قبيلة هوازن لما سمعوا بذلك؛ حشدوا جموعهم مع حلفائهم، وظنوا أنهم يقضون على الرسول العظيم، وعلى أصحابه أجمعين لتكون السيطرة لهم على مكة، بعد قريش الذين استسلموا، وكان أميرهم وصاحب رأيهم دريد بن الصمة، فولوا مكانه شابا هو مالك بن عوف النصري، فساق مع الكفار أموالهم ومواشيهم، ونساءهم، وأولادهم، وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم، ويشد عزيمتهم.

فلما سمع القائد العظيم صلّى الله عليه وسلّم بقدومهم، ندب أصحابه لملاقاتهم قبل هجومهم على مكة، وكانت عدة المسلمين عشرة آلاف، وخرج من أهل مكة معه ألفان، ممن أسلموا، حديثا، وممن بقوا على شركهم بموجب معاهدة مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولما خرج الجيش الخضم من مكة، قال رجل من الأنصار، يقال له: سلمة بن سلامة بن رقيش: لن نغلب اليوم من قلة، فساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلامه، زلق بعض المفسرين فنسب الكلمة إلى رسول الله، وبعضهم نسبها إلى أبي بكر، وحاشاهما من ذلك.

وكانت قبيلة هوازن قد كمنت في مضيق يقع بين جبلين، فلما اندفع المسلمون إلى المضيق، رشقهم الكفار بالنبل، فدهش المسلمون، وانجفلوا هاربين، لا يلوون على شيء، وثبت الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو راكب على بغلته، وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وثبت معه رجال قليلون يدافعون عنه، مثل أبي بكر وعمر وعلي والعباس، وأولاده، وابن أخيه أبو سفيان بن الحارث، الذي كان آخذا بزمام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وغيرهم.

فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يا عباس! ناد أصحاب السمرة». وهي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية، فنادى العباس، وكان رجلا صيتا، ويروى من شدة صوته: أنه أغير يوما على مكة، فنادى: وا صباحاه! فأسقطت كل حامل سمعت صوته جنينها، فنادى بأعلى صوته:

أين أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لكأنهم بقر عطفوا على أولادها، فقالوا: يا لبيك! يا لبيك! فاقتتلوا مع الكفار، ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفا من حصى، فرمى بهن وجوه الكفار، وقال:

«شاهت الوجوه». ثم قال: «انهزموا ورب محمد». فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك، وانظر

<<  <  ج: ص:  >  >>