للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يناقض الهداية، حيث قالوا: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ} فكما سألوه أن يهديهم؛ سألوه أن لا يضلّهم، وكذلك يدعون، فيقولون: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا..}. إلخ رقم [٨] من سورة (آل عمران)، انتهى.

{غَيْرِ:} اسم شديد الإبهام، ك‍ «مثل» لا يتعرف بالإضافة لمعرفة، وغيرها، وهو ملازم للإضافة، ويجوز أن يقطع عنها إن فهم المعنى، أو تقدمت عليها كلمة ليس، يقال: قبضت عشرة ليس غير، وهو مبني على الضم، أو على الفتح، خلاف، وإن أردت الزيادة؛ فانظر مبحثها في كتابنا: «فتح القريب المجيب».

{الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ:} اختلفت في المغضوب عليهم، والضّالين من هم؟ وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبيد بن حاتم الطائي، وقصّة إسلامه حيث قال: هم اليهود، وعن قوله تعالى: {وَلا الضّالِّينَ} قال: هم النصارى، أخرجه أبو داود، والتّرمذيّ، وأحمد، ويشهد لهذا التّفسير أيضا قوله تعالى في اليهود: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} الآية رقم [٦١] من سورة (البقرة)، وقوله تعالى في سورة المائدة رقم [٦٠]:

{مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ}. وقال جل ذكره في النصارى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} هذا وفي الآية الكريمة تحذير للمؤمن من مسالك أهل الباطل؛ لئلا يحشر مع سالكيه يوم القيامة، ومن تشبّه بقوم فهو منهم.

هذا والأصل في {الضّالِّينَ:} (الضّاللين) حذفت حركة اللام الأولى، ثمّ سكنت، ثم أدغمت اللام في اللام، فاجتمع ساكنان: مدّة الضاد بالألف، واللام المدغمة، وقرأ أيوب السختياني: («ولا الضألين») بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة، حكاها أبو زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ قوله تعالى في سورة (الرحمن): ({فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}) فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة، قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قول كثير عزّة: [الطويل]

... إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت

انتهى قرطبي. هذا وقد راجعت قصيدة كثير عزة التائية في شرحي شواهد المغني للسيوطي والبغدادي، فلم أجد هذه الشطرة فيها، ومن أبياتها الشواهد رقم [٧٢٨ و ٧٧٣ و ٨٥٢] من كتابنا فتح القريب المجيب.

تنبيه: يسن للقارئ أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة في الصلاة وخارجها بعد سكتة على نون ({وَلا الضّالِّينَ}): آمين؛ ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن، وقد أطال القرطبي رحمه الله تعالى الكلام في فضله وفضائله، آخذا من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأقوال السلف الصالح، والصحيح:

<<  <  ج: ص:  >  >>