نعم السّير على بئس العير. وأوله البصريون على حذف كلام مقدر، إذ التقدير: والله ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد! ونعم السّير على عير مقول فيه: بئس العير، والمعتمد في ذلك قول البصريين.
هذا ويجب في فاعلهما أن يكون مقترنا بال، أو مضافا لمقترن به، أو ضميرا مميزا بنكرة، أو كلمة «ما»؛ فالأول كما في قوله تعالى:{نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ،} والثاني في نحو قوله تعالى: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ} والثالث في مثل قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً،} والرابع كما في الآية الكريمة التي بين أيدينا.
{اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ:} باعوا، واستبدلوا. {أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً:} انظر الإعراب يتضح لك المعنى، أما البغي؛ فهو الظلم، والاعتداء على حقّ غيرك، وعواقبه ذميمة، ومآل الباغي وخيم، وعقابه أليم؛ ولو أنّ جنوده بعدد الحصى، والرّمل، والتراب، ورحم الله من يقول-وهو الشاهد رقم [٢٣٩] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]
لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ، ولا تعن باغيا، ولا تنكث، ولا تعن ناكثا». وقال تعالى:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ،} وقال جلّ شأنه: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ،} وقال جلّ ذكره: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} وقال أبو بكر-رضي الله عنه-: ثلاث من كنّ فيه كن عليه، وتلا الآيات الثلاث. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «أسرع الخير ثوابا صلة الرّحم، وأعجل الشر عقابا البغي، واليمين الفاجرة»، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنه قال: «لو بغى جبل على جبل؛ لاندكّ الباغي». فأخذه بعض الشعراء، فقال:[البسيط]
يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة... فاربع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل... لاندكّ منه أعاليه وأسفله
وكان المأمون يتمثّل بهذين البيتين في أخيه الأمين حين ابتدأ بالبغي عليه، قال الشّاعر الحكيم:[مجزوء الكامل]
والبغي يصرع أهله... والظّلم مرتعه وخيم
هذا؛ والظلم أنواع كثيرة. انظر رسالة:(الحج والحجاج في هذا الزمن) بتأليفنا، تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك، وانظر الآية رقم [١٧٣]. {أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ:} من نعيم الدنيا من صحة، ومال، ومنصب، وجاه، والمراد به ما منّ الله به على الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النبوة، والرّسالة، والنّصر على الأعداء، وجمع شمل العرب، وتوحيد صفوفهم وكلمتهم؛ إذ المراد بما بعد هذه الجملة بقوله تعالى:{مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ:} الرسول صلّى الله عليه وسلّم.