للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، فطلبوا نبيهم يونس-عليه السّلام-فلم يجدوه، فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم التوبة، فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم، ونسائهم، وصبيانهم، ودوابهم، ولبسوا المسوح، وأظهروا التوحيد، والتوبة، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب، فحن البعض إلى البعض، فحن الأولاد إلى الأمهات، والأمهات إلى الأولاد، وعلت الأصوات وعجّوا إلى الله، وتضرّعوا إليه، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس، وتابوا إلى الله، وأخلصوا النية، فرحمهم ربهم، فاستجاب دعاءهم، وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب، بعد ما أظلهم، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، وكان يوم الجمعة.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم؛ حتى إن كان الرجل ليأتي إلى الحجر، وقد وضع أساس بنيانه عليه، فيقلعه، فيرده إلى صاحبه.

وروى الطبراني بسنده عن أبي الجلد جيلان، قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: إنه قد نزل بنا العذاب، فما ترى؟! قال: قولوا: يا حيّ حين لا حيّ، ويا حيّ محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت! فقالوها، فكشف الله عنهم العذاب، ومتّعوا إلى حين.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت، وجلّت، وأنت أعظم وأجل، فافعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال: وخرج يونس-عليه السّلام-ينتظر العذاب، فلم ير شيئا، فقيل له: ارجع إلى قومك، قال: وكيف أرجع إلى قومي، فيجدوني كذابا، وكان من كذب ولا بينة له قتل، فانصرف عنهم مغاضبا، فالتقمه الحوت، وستأتي القصة في سورة (الأنبياء)، و (الصافات) إن شاء الله تعالى.

الإعراب: {فَلَوْلا}: الفاء: حرف استئناف. (لولا): حرف تحضيض معناه هنا التوبيخ والتنديم، والنفي. {كانَتْ}: ماض تام، والتاء للتأنيث. {قَرْيَةٌ}: فاعله. {آمَنَتْ}: ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى قرية، والجملة الفعلية في محل رفع صفة: {قَرْيَةٌ}.

{فَنَفَعَها إِيمانُها}: ماض ومفعوله وفاعله، و (ها): في محل جر بالإضافة، الجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل صفة مثلها. {إِلاّ}: أداء استثناء. {قَوْمَ}: منصوب على الاستثناء المنقطع من قرية، وقيل: على الاستثناء المتصل على تقدير الكلام: فلولا كان أهل القرية آمنوا.. إلخ، وقال الزمخشري: وقرئ بالرفع على البدل. هكذا روى عن الجرمي، والكسائي، قال القرطبي: ومن أحسن ما قيل في الرفع، ما قاله أبو إسحاق الزجاج، قال:

يكون المعنى غير قوم يونس، فلما جاء ب‍ {إِلاّ} أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب (غير)، كما قال حضرمي بن عامر الأسدي: [الوافر]

وكلّ أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان

<<  <  ج: ص:  >  >>