للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسجدها، أو في الهند، وهو قول ضعيف، أو بعين وردة بأرض الجزيرة، وقيل: التنور: وجه الأرض جميعها، وقيل: أعاليها، وقيل: غير ذلك، والمعتمد الأول هذا؛ وما يقال: إنه عين التنور الموجودة قرب حمص؛ لم يقل به أحد من المفسرين، وكان فوران الماء منه إيذانا لنوح عليه السّلام، ودليلا على هلاك قومه، قال أمية بن أبي الصلت: [الخفيف]

فار تنورهم، وجاش بماء... صار فوق الجبال حتّى علاها

قال القرطبي: والتنور أعجمي عربته العرب؛ لأن أصله: تنر، وليس في كلام العرب نون قبل راء، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢] و [٢٣] من سورة (يوسف) تجد ما يسرك ويثلج صدرك. {قُلْنَا احْمِلْ فِيها} أي: في السفينة. {مِنْ كُلٍّ} أي: من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها احمل اثنين. {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}: ذكر وأنثى، وذلك لبقاء أصل النسل بعد الطوفان، هذا؛ والزوج يطلق على الزوجة وحدها، وعلى الزوج وحده، وهو المراد هنا؛ أي: احمل من كل فردين متزاوجين اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أول ما حمل نوح الدّرّة، وآخر ما حمل الحمار. قال البغوي: وروى بعضهم أن الحية والعقرب أتيا نوحا عليه السّلام، وقالا: احملنا معك، فقال:

إنكما سبب البلاء فلا أحملكما. فقالا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك، فمن قرأ حين خاف مضرتهما: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} لم يضراه، وهناك أقوال وروايات كثيرة ضربت عنها صفحا. هذا؛ ويذكر أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرهما. فجعل يضرب بيديه في كل نوع، فتقع يده اليمنى على الذكر، ويده اليسرى على الأنثى، فيحملهما في السفينة.

{وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}: المراد بأهلك: زوجته المؤمنة وأولاده المؤمنون، وهم:

سام، وحام، ويافث، وزوجاتهم. ومن سبق عليه القول في قديم الأزل بالهلاك وعدم الإيمان:

ابنه كنعان وأمه واعلة فإنها كانت كافرة كامرأة لوط. {وَمَنْ آمَنَ} أي: احمل المؤمنين من غير أهلك. {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ}: قيل: كان المؤمنون معه تسعة وسبعين وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم، واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقال الحسن رحمه الله تعالى: لم يحمل نوح-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما البق، والذباب، والدود، فلم يحمل شيئا منها، وإنما خرج من الطين، هذا؛ وإنما جيء ب‍ (علي) لأن السابق ضار، كما جيء باللام حيث كان نافعا في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية رقم [١٠١] من سورة (الأنبياء).

والمراد بالقول هنا ما عبر عنه في قوله تعالى: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>