للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: فإنها تلتفت فتهلك مع من يهلك من قومها، وهو قوله تعالى: {إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ} فقد قيل: إن لوطا خرج بها، ونهى من معه ممن أسرى بهم أن يلتفت. فلم يلتفت منهم أحد سوى زوجته، فإنها لما سمعت هدة العذاب التفتت، وقالت: وا قوماه! فأدركها حجر، فقتلها، فلما قالت الملائكة: {إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ} فقال لوط: متى يكون هذا العذاب؟ قالوا: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} قال: إنه بعيد، أريد أسرع من ذلك، فقالوا له: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.

يروى: أن لوطا عليه السّلام خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر، وأن الملائكة قالت له: إن الله وكل بهذه القرية ملائكة معهم صوت رعد، وخطف برق، وصواعق عظيمة، وقد ذكرنا لهم: أن لوطا سيخرج فلا تؤذوه، وأمارته: أنه لا يلتفت، ولا تلتفت ابنتاه، فلا يهولنك ما ترى، فخرج لوط عليه السّلام، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم.

بعد هذا انظر القول في الآية [١٨] {رُسُلُ}: جمع رسول يجوز ضم سينه وتسكينها، قال عيسى بن عمر: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله، وذلك مثل رسل وعسر ويسر وأسد ورحم... إلخ. وانظر شرح (الرسول) في الآية [١] من سورة (الأنفال). {رَبِّكَ}: انظر الآية رقم [٣]، {فَأَسْرِ}: فعل أمر يقرأ بوصل الهمزة وقطعها، وسرى وأسرى بمعنى واحد وهو قول أبي عبيد والثانية لغة أهل الحجاز، وهما بمعنى سار الليل عامته، وقيل: سرى لأول الليل، وأسرى لآخره، وهو قول الليث. وأما سار فهو مختص بالنهار، وليس مقلوبا من سرى، فهو بمعنى مشى، والسرى والإسراء: السير في الليل، يقال: سرى يسري سرى ومسرى وسرية وسراية، هذا؛ والسرى يذكر ويؤنث، ولم يحك اللحياني فيه إلا التأنيث كأنهم جعلوه جمع سرية.

{بِأَهْلِكَ}: الأهل اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ورهط، والأهل:

العشيرة وذوو القربى، ويطلق على الزوجة، وعلى الأتباع بدليل الآية الكريمة والآية رقم [٤٠] والجمع أهلون، وأهال، وآهال، وأهلات، وأهلات، وبالأولين قرئ قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ}.

{أَحَدٌ}: أصله: وحد لأنه من الوحدة، فأبدلت الواو همزة، وهذا قليل في المفتوحة، إنما يحسن في المضمومة والمكسورة، مثل قولهم: وجوه، وأجوه، ووسادة، وإسادة، وهو مرادف للواحد في موضعين: أحدهما وصف الباري جل علاه، فيقال: هو الواحد، وهو الأحد، والثاني أسماء العدد، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون، وفي غير هذين الموضعين يفرق بينهما في الاستعمال، فلا يستعمل (أحد) إلا في النفي، وهو كثير في الكلام، أو في الإثبات مضافا، كما في قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} بخلاف الواحد، وقولهم: ما في

<<  <  ج: ص:  >  >>